للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحارب، قال: لا تفعلوا وادخلوا في الطاعة، قالوا: لا نفعل، وكانوا قد اتخذوا خندقا، فنزل منهم جماعة، وحمل ابن الغسل على الخيل حتى كشفها، وقاتلوا قتالا شديدا، وجعل مسلم يحرض أصحابه، وكان به مرض؛ فنصب له سرير بين الصفين وقال: قاتلوا عن أميركم؛ وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الأموال، ورفعوا على النساء؛ وقاتل عبد الله بن مطيع حتى قتل هو وبنون له سبعة؛ وبعث برأسه إلى يزيد؛ فأفزع ما جرى من بالمدينة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ونقل الواقدي أن القوم لما قربوا تشاور أهل المدينة في الخندق خندق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وشكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية؛ وعملوا في الخندق خمسة عشر يوما، وكان لقريش ما بين راتج إلى مسجد الأحزاب، والأنصار ما بين مسجد الأحزاب إلى بني سلمة، وللموالي ما بين راتج إلى بني عبد الأشهل، فلما وصل القوم عسكروا بالجرف، وبعثوا رجالا من رجالهم، فأحدقوا بالمدينة من كل ناحية، فما يجدون مدخلا، والناس متلبسون السلاح قد قاموا على أفواه الخنادق يرمون بالنبل والحجارة، وجلس مسلم بناحية واقم، فرأى أمرا هائلا، فاستعان بمروان وكان وعده بوجه في ذلك لما لقيه بوادي القرى؛ فخرج مروان حتى جاء بني حارثة، فكلم رجلا منهم ورغبه في الصنيعة «١» ، وقال: تفتح لنا طريقا فاكتب بذلك إلى يزيد فيصل أرحامكم، ففتح لهم طريقا من قبلهم حتى أدخل له الرجال من بني حارثة إلى بني عبد الأشهل، وجاء الخبر عبد الله بن حنظلة وكان بناحية الصورين في أصحابه، وأقبل عبد الله بن مطيع وكان من ناحية ذباب، وأقبل ابن هريرة في الموالي يطوف بهم على الخنادق، وأقبل ابن ربيعة وكان من ناحية بطحان، فاجتمعوا جميعا من حيث يدخل أهل الشام، قال محمود بن لبيد: قد حضرت يومئذ، فإنما أتينا من قومنا بني حارثة، وكان مروان حين أخرج عمل به عمل قبيح، فكلم رجلا فأدخله ومعه فارس ثم جعلت الخيل تتحدر على أثره، وقد وقفنا بني عبد الأشهل فقاتلنا ما وجدنا حتى عاينا الموت وكثرت القوم وتفرق الناس فقتلوا في كل وجه.

وروى الواقدي أيضا أن قصر بني حارثة كان أمانا لمن أراد أهل الشام أن يؤمنوه، وكانت بنو حارثة آمنين، وأول دار انتهبت والحرب بعد لم ينقطع دار بني عبد الله الأشهل، انتهى.

وأخرج ابن أبي خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بن أسماء: سمعت أشياخ أهل


(١) الصنيعة: كل ما عمل من خير أو إحسان. (ج) صنائع.

<<  <  ج: ص:  >  >>