للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة يتحدثون أن معاوية رضي الله عنه لما احتضر دعا يزيد فقال له: إن لك من أهل المدينة يوما، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإني عرفت نصيحته، فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة، فأكرمهم وأجازهم، فرجع فحرض الناس على يزيد، وعابه، ودعاهم إلى خلع يزيد، فأجابوه، فبلغ ذلك يزيد، فجهز إليهم مسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير؛ وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب المدينة، فترك أهل المدينة القتال، ودخلوا المدينة خوفا على أهليهم، فكانت الهزيمة، وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خول «١» ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم بما شاء، انتهى.

وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند صحيح عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها [الأحزاب: ١٤] يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة في وقعة الحرة، قال يعقوب: وكانت وقعة الحرة سنة ثلاث وستين، اه.

قالوا: وكلمات امرأة مسلم بن عقبة في ولدها، وقالت: أنا مولاتك، وابني في الأسر؛ فقال: عجلوه لها؛ فضربت عنقه وقال: أعطوها رأسه، أما ترضين ألاتقتلي حتى تكلمي في ابنك؟!

قلت: وسموه مسرفا لإسرافه في القتل.

ونقل الواقدي في كتاب الحرة أن يزيد دخل على مسرف وكان قد جعله في علية لمرضه؛ فقال له: لولا مرضك لكنت أنت صاحب هذا الأمر، لما أعرف نصيحتك، قال مسرف: أنشدك الله يا أمير المؤمنين ألا تولي أمرهم غيري؛ فإني والله أنا صاحبهم، رأيت في النوم شجرة غرقد تصيح بأغصانها: يا ثارات عثمان، فأقبلت وجعلت الشجرة تقول: على يدي مسلم بن عقبة، حتى جئتها فأخذتها، فعبرت ذلك أني أكون القائم بأمر عثمان؛ فهم قتلته، قال يزيد: فسر إليهم على بركة الله، فأنت صاحبهم، وانظر إذا قدمت المدينة، فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف، لا تبق فيهم، وأنهبها ثلاثا، وأجهز على جريحهم، واقتل مدبرهم، وإياك أن تبقي عليهم، وإن لم يعرضوا لك فامض إلى ابن الزبير.

وروى ابن الجوزي من طريق المدايني عن جويرية أن مسلما نظر إلى قتلى الحرة فقال: لئن دخلت النار بعدها إني لشقي، وأسر أسرى فحبسهم ثلاثة أيام لم يطعموا،


(١) الخول: عطيّة الله من النعم والعبيد والإماء وغيرهم من الأتباع والحشم.

<<  <  ج: ص:  >  >>