تعالى عنهما، فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه ويفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة أو المرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا، وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.
قال الباجي: ففرق بين أهل المدينة والغرباء؛ لأن الغرباء قصدوا لذلك، وأهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم.
قال السبكي: والمتلخّص من مذهب مالك أن الزيارة قربة، ولكنه على عادته في سد الذرائع يكره منها الإكثار الذي قد يفضي إلى محذور، والمذاهب الثلاثة يقولون باستحبابها واستحباب الإكثار منها؛ لأن الإكثار من الخير خير.
وقال النووي في زيارة القبور من الأذكار: ويستحب الإكثار من الزيارة، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل. وسبق في الفصل العشرين من الباب الرابع قول عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في خبر هدم جدار الحجرة: كنت أخرج كل ليلة من آخر الليل حتى آتي المسجد فأبدأ بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأسلم عليه، ثم آتي مصلاي فأجلس به حتى أصلي الصبح.
وروى ابن زبالة عن عبد العزيز ببن محمد قال: رأيت رجلا من أهل المدينة يقال له محمد بن كيسان يأتي إذا صلّى العصر من يوم الجمعة- ونحن جلوس مع ربيعة بن أبي عبد الرحمن فيقوم عند القبر فيسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ويدعو حتى يمسي، فيقول جلساء ربيعة: انظروا إلى ما يصنع هذا؟ فيقول: دعوه فإنما للمرء ما نوى.
وقال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال ابن عجلان لبعض الأمراء: إنك تطيل ثيابك، وتطيل الخطبة، وتكثر المجئ إلى قبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلو كان فيه العجلان ما أتيته.
ومنها: إكثار الصلاة والتسليم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وإيثار ذلك على سائر الأذكار، ما دام هناك.
ومنها: اغتنام ما أمكن من الصيام ولو يسيرا من الأيام.
ومنها: الحرص على فعل الصلوات الخمس بالمسجد النبوي في الجماعة، والإكثار من النافلة فيه، مع تحري المسجد الذي كان في زمنه صلى الله تعالى عليه وسلم، إلا أن يكون الصفّ الأول خارجه فهو أولى، وإن أمكنه ملازمة المسجد، وأن لا يفارقه إلا