يفعله السلف الصالح، والخير كله في اتباعه، ومن خطر بباله أن تقبيل الأرض أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال السلف وعملهم، قال: وليس عجبي ممن جهل ذلك فارتكبه، بل عجبي ممن أفتى بتحسينه مع علمه بقبحه ومخالفته لعمل السلف، واستشهد لذلك بالشعر، انتهى.
قلت: وقد شاهدت بعض جهال القضاة فعل ذلك بحضرة الملأ، وزاد عليه وضع الجبهة كهيئة الساجد، فتبعه العوام، ولا قوة إلا بالله.
ومنها: أن لا يمر بقبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقف ويسلم عليه، سواء مر من داخل المسجد أو من خارجه، ويكثر من قصده وزيارته.
روى الأقشهري بسنده لابن أبي الدنيا قال: حدثني الحسين بن عبد العزيز قال:
حدثنا الحارث بن سليمان قال: أنبأنا ابن وهب قال: أنبأنا عبد الرحمن بن زيد أن أبا حازم حدثه أن رجلا أتاه فحدثه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي حازم: أنت المارّ بي معرضا لا تقف تسلم عليّ؟ فلم يدع ذلك أبو حازم منذ بلغته هذه الرؤيا.
وفي كتاب الجامع من البيان لابن رشد شرح العتبية، ما لفظه: وسئل- يعني مالكا عن المار بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أترى أن يسلم كلما مر؟ قال: نعم، أرى ذلك، عليه أن يسلم كلما مر به، وقد أكثر الناس من ذلك، فإذا لم يمر به فلا أرى ذلك، وذكر حديث «اللهم لا تجعل قبري وثنا» الحديث.
قال: فقد أكثر الناس من هذا، فإذا لم يمر عليه فهو في سعة من ذلك، قال: وسئل عن الغريب يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم، فقال: ما هذا من الأمر، ولكن إذا أراد الخروج، قال ابن رشد: المعنى في ذلك أنه يلزمه أن يسلم عليه كلما مر به متى ما مر، وليس عليه أن يأتي ليسلم عليه إلا للوداع عند الخروج، ويكره أن يكثر المرور به، والسلام عليه، والإتيان كل يوم إليه؛ لئلا يجعل القبر بفعله ذلك كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، وقد نهى صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك بقوله «اللهم لا تجعل قبري وثنا» الحديث.
وقال عياض في الشفاء: قال مالك في كتاب محمد: ويسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا دخل وخرج، يعني في المدينة، وفيما بين ذلك، وقال مالك في المبسوط: وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر، وإنما ذلك للغرباء، وقال فيه أيضا: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فيصلي عليه، ويدعو له ولأبي بكر وعمر رضي الله