صلى الله تعالى عليه وسلم، ويبكر بعد صلاة الصبح في مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى يعود ويدرك جماعة الظهر فيه، قال الكمال بن الهمام محقق الحنفية: ويزور جبل أحد نفسه؛ ففي الصحيح «أحد جبل يحبنا ونحبه» .
ومنها: أنه يستحب استحبابا متأكدا كما قال النووي- أن يأتي مسجد قباء، وفي يوم السبت أولى، ناويا التقرب بزيارته والصلاة فيه، وإذا قصد إتيانه توضأ وذهب، ولا يؤخر الوضوء حتى يصل إليه.
ومنها: أن يأتي بقية المساجد والآثار المنسوبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة مما علمت عينه أو جهته، وكذا الآبار التي شرب منها صلى الله تعالى عليه وسلم أو توضأ أو اغتسل، فيتبرك بمائها، صرح جماعة من الشافعية وغيرهم باستحباب ذلك كله، وقد كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يتحرّى الصلاة والنزول والمرور حيث حل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونزل وغير ذلك.
ومأخذ ما نقل عن مالك مما يخالف هذا سدّا للذريعة، تبعا لعمر رضي الله تعالى عنهما، ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن المعرور بن سويد أنه خرج مع عمر رضي الله تعالى عنه في حجة حجها، فلما رجع من حجّته رأى الناس ابتدروا المسجد، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار الأنبياء بيعا، من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل، ومن لم تعرض له فليمض.
وقال عياض في الشفاء: ومن إعظامه صلى الله تعالى عليه وسلم وإكباره إعظام جميع أشيائه، وإكرام جميع مشاهده وأمكنته ومعاهده، وما لمسه صلى الله تعالى عليه وسلم بيده أو عرف به، انتهى.
قلت: ذلك بزيارة تلك المشاهد والتبرك بها، ولله در القائل:
خليليّ هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما، ثم انزلا حيث حلّت
ومسّا ترابا طال ما مسّ جلدها ... وظلّا وبيتا حيث باتت وظلّت
ولا تيأسا أن يمحو الله عنكما ... ذنوبا إذا صلّيتما حيث صلّت
وذكر خليل المالكي في منسكه استحباب زيارة البقيع، ومسجد قباء، وغير ذلك، ثم قال: وهذا إنما يكون فيمن كثرت إقامته بالمدينة، وإلا فالمقام عنده عليه الصلاة والسلام أحسن؛ ليغتنم مشاهداته صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد قال ابن أبي جمرة: لما دخلت مسجد المدينة ما جلست إلا الجلوس في الصلاة، وما زلت واقفا هناك حتى رحل