الركب، ولم أخرج إلى بقيع ولا غيره، ولم أر غيره صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد كان خطر لي أن أخرج إلى البقيع، فقلت: إلى أين أذهب؟ هذا باب الله تعالى مفتوح للسائلين والمتضرعين، وليس ثمّ من يقصد مثله.
قلت: والحق أن من منح دوام الحضور والشهود وعدم الملل فاستمراره هناك أولى وأعلى، وإلا فتنقّله في تلك البقاع أولى، وبه يستجلب النشاط ودفع الملل، ولذلك نوّع الله لعباده الطاعات، والله أعلم.
ومنها: أن يلاحظ بعقله مدة إقامته بالمدينة جلالتها، وأنها البلدة التي اختارها الله لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم في الحياة وبعد الوفاة، ويستحضر تردّده صلى الله تعالى عليه وسلم فيها، ومشيه في بقاعها، ومحبته لها، وتردد جبرائيل عليه السلام فيها بالوحي، فيحبها وسائر منازلها وأوديتها وجبالها، سيما ما أثبت له صلى الله تعالى عليه وسلم المحبة من ذلك.
ومنها: أن لا يركب بها دابة مهما قدر على المشي، بل يؤثره على الركوب، كما رأى ذلك مالك رحمه الله تعالى؛ فإنه كان لا يركب بها دابة، ويقول: أخشى أن يقع حافرها في محل مشي فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وفي رواية عن الشافعي رحمه الله تعالى قال: رأيت على باب مالك كراعا من أفراس خراسان وبغال مصر، ما رأيت أحسن منها، فقلت له: ما أحسنها فقال: هو هدية مني إليك يا أبا عبد الله، فقلت: دع لنفسك منها دابة تركبها، فقال: أستحيي من الله أن أطأ تربة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بحافر دابة.
ومنها: محبة أهل المدينة وسكانها، ومحبة مجاوريها وقطّانها، وتعظيمهم، سيما العلماء والصلحاء والأشراف والفقراء وسدنة الحجرة وخدّامها، قال المجد: وهلم جرا إلى عوامها وخواصها، وكبارها وصغارها، وزراعها وجرافها، وباديتها وحاضرتها، كل منهم على حسب حاله ورتبته وقرابته ودنوه من قبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتربته، وتعظيمه لشعار دينه وشريعته، وقيامه بمصالح أمته ومناجح ملته، إلى من لا يبقى له مزية سوى كونه في هذا المحل العظيم، وجارا لهذا النبي الكريم، صلى الله تعالى عليه وسلم، وأخلق بها مزية أن يجلّ صاحبها، قال: وهؤلاء يثبت لهم حق الجوار، وإن عظمت إساءتهم فلا يسلب عنهم اسم الجار، وقد عمّم صلى الله عليه وسلم في قوله «مازال يوصيني جبرائيل بالجار» ولم يخصص جارا دون جار، قال: وكل ما احتج به محتج من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع فإنه إذا ثبت في شخص مثلا لا يترك إكرامه، فإنه لا يخرج