للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكذا وكذا، قال: قد أخذتها بذلك، قال: هي لك، والحكمة فيه- كما أفاده بعضهم- أنه صلّى الله عليه وسلّم أحب ألاتكون هجرته إلا من مال نفسه، وذكر ابن إسحاق أن الناقة التي أخذها هي الجدعاء، وأنها كانت من إبل بني الحريش، وكذا في رواية أخرجها ابن حبان، وأنها الجدعاء، وأفاد الواقدي أن الثمن كان ثمان مائة درهم، وأن المأخوذة هي القصوى، وأنها كانت من نعم بني قشير، وأنها عاشت حتى ماتت في خلافة الصديق، وكانت مرسلة ترعى في النقيع، وفي طبقات ابن سعد أن ثمنها ثمان مائة درهم، اشتراها أبو بكر من نعم بني قشير، وأخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم منه القصوى بثمنها، وسيأتي من رواية يحيى الحسيني أيضا أنها القصوى، وجاء عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أذن له في الهجرة إلى المدينة بقوله تعالى:

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء:

٨٠] أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم، فذهب أبو بكر إلى عبد الله بن أريقط قاله ابن عقبة. وفي تهذيب ابن هشام «عبد الله بن أرقد» وفي رواية الأموي عن ابن إسحاق «ابن أريقد» وفي الغنية عن مالك اسمه «رقيط من بني الديل من كنانة» فاستأجره، وكان هاديا خرّيتا «١» : أي ماهرا بالهداية، وكان على دين الكفار. قال النووي: لا نعلم له إسلاما، فأمره أن يأتيهما بعد ثلاث في غار ثور، ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى منزله، فجاءه علي رضي الله عنه، واجتمعت قريش على باب الدار ليقتلوه بزعمهم، فقال لهم أبو جهل: لا تقتلوه حتى يجتمعوا، يعني الخمسة من القبائل الخمس، وجعل يقول لهم: هذا محمد كان يزعم لكم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم، ويكون لكم في الآخرة جنات تأكلون منها، وإن لم تتابعوه يكون له فيكم ذبح في الدنيا، ويوم القيامة نار تحرقون فيها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم والله كذا أقول، وكذا يكون، وأنت أحدهم، ثم أخذ حفنة من تراب فرماها في وجوههم، فأخذ على أبصارهم ولم على أصمختهم فجعل على رأس كل رجل منهم ترابا وهو يقرأ أول سورة يس يستتر بها منهم إلى «فهم لا يبصرون» وتلا: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء:

٤٥] ثم أتى منزل أبي بكر، فخرجا من خوخة كانت له، وأتيا غار ثور، وأقام المشركون ساعة، فجعلوا يتحدثون، فجاءهم رجل كان إذ ذاك بعيدا منهم فقال لهم: وما تنتظرون؟

فقالوا: أن نصبح فنقتل محمدا، قال: قبحكم الله وخيبكم، أو ليس قد خرج عليكم وجعل على رؤوسكم التراب، قال أبو جهل: أو ليس هو ذاك مسجى ببرده؟ الآن كلمنا، فلما أصبحوا قام علي من الفراش، فقال أبو جهل: صدقنا ذلك المخبر، فاجتمعت قريش،


(١) الخرّيت: الدليل الحاذق بالدلالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>