للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذت الطرق، وجعلت الجعائل «١» لمن جاء به، فانصرفت أعينهم ولم يجدوا شيئا، فجاء الديلي بعد ثلاث بالراحلتين، ولا ينافي هذا ما وقع في رواية هشام بن عروة عند ابن حبان حيث قال: فركبا حتى أتيا الغار فتواريا؛ لاحتمال أنهما ركبا غير هاتين الراحلتين، أو هما ثم ذهب بهما عامر بن فهيرة إلى الديلي.

وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب في الحديث المتقدم أن عليا رقد على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوري عنه، وباتت قريش تحلف وتأتمر، أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه، حتى أصبحوا فإذا بعلي، فسألوه فقال: لا علم لي، فعلموا أنه فر منهم.

وروى أحمد بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية فذكر تشاور قريش ثم قال: فبات علي على فراشه صلّى الله عليه وسلّم وخرج هو حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه، فلما أصبحوا ورأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال:

لا أدري، فاقتصّوا أثره «٢» ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال، وذكر نحوه موسى بن عقبة عن الزهري، وكله مقتض لأن الخروج إلى الغار كان في بقية تلك الليلة، وكان ذلك بعد العقبة شهرين وليال، وقال الحاكم: بثلاثة أشهر أو قريبا منهم، ويرجح الأول ما جزم به ابن إسحاق من أنه خرج أول يوم من ربيع الأول؛ فيكون بعد العقبة بشهرين وبضعة عشر يوما، وكذا جزم به الأموي، فقال: خرج لهلال ربيع الأول، وقدم المدينة لاثني عشر خلت منه، وعلى هذا كان خروجه يوم الخميس، وهو الذي ذكره محمد بن موسى، لكن قال الحاكم: تواترت الأخبار بأن الخروج كان يوم الإثنين، وجمع الحافظ ابن حجر بأن خروجه من مكة كان يوم الخميس: أي في أثناء ليلته لما قدمناه، وخروجه من الغار- يعني غار ثور- ليلة الإثنين؛ لأنه أقام فيه ثلاث ليال، ومن روى ليلتين لعله لم يحسب أول ليلة، وأما حديث الحاكم «لبثت مع صاحبي» يعني: أبا بكر «في الغار بضعة عشر يوما، ما لنا طعام إلا ثمر البرير» أي الأراك، فقال الحاكم: معناه مكثنا مختفين من الكفار في الغار وفي الطريق بضعة عشر يوما، وقال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر أنها قصة أخرى، لما في الصحيح من أن عامر بن فهيرة كان يروح عليهما في الغار باللبن، وكذا قصة نزولهما بخيمة أم معبد، وغير ذلك، وكان مدة مقامه صلّى الله عليه وسلّم بمكة بعد النبوة بضع عشر سنة. وقال عروة:


(١) الجعائل: ما جعل على العمل من أجر أو رشوة. مفردها: الجعالة.
(٢) اقتصوا أثره: تتبعوا أثره.

<<  <  ج: ص:  >  >>