للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المنبر في جهة المغرب، وذرعته بذراع اليد الذي حررناه فكان خمسا وستين ذراعا، وهو مطابق لما قاله ابن جماعة ولما اختبرناه بذراع العمل؛ لأن ذراع العمل ذراع وثلث من ذراع الحديد المستعمل بمصر، وذلك اثنان وثلاثون قيراطا، والذراع الذي حررناه أحد وعشرون قيراطا، فذراع العمل ذراع ونصف قيراط بالذراع الذي حررناه، وقد مال المراغي إلى اعتبار التحديد بهذه الأسطوانة- أعني الثانية من المنبر- فإنه ذكر عدم وجود البلاط اليوم، ثم قال: لكني اعتبرت ذرعه من المشرق إلى المغرب على رواية يحيى ثلاثة وستين، وهي من أقل الروايات؛ فكان من جدار الحجرة الشريفة يعني الحائز الظاهر إلى الأسطوانة الثانية من المنبر لا التي بعده ستون ذراعا تقريبا، قال: وعلى هذا يكون عرض جدار عمر بن عبد العزيز وما بينه وبين جدار الحجرة الشريفة الأصلي ثلاث أذرع تقريبا، انتهى. ولا يخفى ما فهم؛ لأنه جعل المسافة المذكورة ستين ذراعا تقريبا وهي خمسة وستون تحريرا، وتبع من تقدمه من المؤرخين في ثبات فضاء بين حائز عمر بن عبد العزيز وجدار الحجرة، فخمن أن ذلك مع عرض الحائز ثلاثة أذرع، وقد علمت أن عرض الحائز ذراع وربع يرجح يسيرا، وليس بينه وبين جدار الحجرة شيء.

وقد روى ابن زبالة ويحيى من طريقه أشياء في تحديد المسجد وذرعه يقتضي أن جدار المسجد الشريف في زمنه صلّى الله عليه وسلّم من جهة المشرق لم ينته إلى حائز عمر بن عبد العزيز، بل الحائز وبعض ما يليه من المغرب في موضع حجرة عائشة رضي الله عنها، وأن جدار حجرة عائشة كان فيما بين الأساطين اللاصقة بجدار القبر وبين الأساطين التي بينها المقصورة الدائرة على الحجرة الشريفة، وأنه صلّى الله عليه وسلّم كان قد بنى المسجد أولا وجعله ثلاث أساطين عن يمين المنبر في المغرب وثلاث أساطين عن يساره في المشرق، وأن نهايته من جهة المشرق كانت أولا أسطوان التوبة؛ لأنها تكون في موضع الجدار بعد الأساطين الثلاث، وأن مساحة ذلك من المشرق إلى المغرب ثلاث وستون ذراعا، وقيل:

خمس وخمسون، وأنه زاد فيه بعد ذلك من المشرق والمغرب، ومع ذلك لم ينته زيادته في المشرق إلى موضع حائز عمر بن عبد العزيز، وأنه لم يزد فيه من جهة القبلة ولا من جهة الشام.

قلت: وهو موافق لما روى أنه كان مائة ذراع كما سنبينه، ويرجحه عندي أن المنبر الشريف يكون حينئذ متوسطا للمسجد؛ إذ يبعد أنه صلّى الله عليه وسلّم لا يتوسط أصحابه ويقف على منبر في طرفهم، وكون المسجد النبوي لا ينتهي إلى موضع حائز عمر بن عبد العزيز كما قدمناه خلاف ما عليه متأخرو المؤرخين، لكنه حسن؛ إذ يبعد أن يا بني عمر بن عبد العزيز حائزه في شيء من المسجد، وينتقص الروضة الشريفة به، حاشاه من ذلك، والذي صح

<<  <  ج: ص:  >  >>