أنهما محل عموديه كانا محكمين بالرصاص فيهما، وقد وقعت في المصلى الشريف مما يلي مؤخره، وتأملت الفرضة التي مما تلي الروضة فوجدتها في محاذاة يميني، فظهر أنها المرادة.
وأما الجزعة فذكر المطري أن هذه الجزعة كانت في المحراب القبلي المقابل للمصلى الشريف، وأنها أزيلت منه، قال: وما حققه الغزالي عند ذكر المصلى الشريف بقوله: «إذا وقف المصلى في مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم تكون رمانة المنبر حذو منكبه الأيمن ويجعل الجزعة التي في القبلة بين عينيه فيكون واقفا في مصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما كان قبل حريق المسجد، وقبل أن يجعل هذا اللوح القائم في قبلة مصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: أي فإنه صار يحجب عن مشاهدة ما في المحراب القبلي، قال: وإنما جعل بعد حريق المسجد، قال: وكان يحصل بتلك الجزعة فتنة كبيرة وتشويش على من يكون بالروضة الشريفة من المجاورين وغيرهم.
وذلك أنه كان يجتمع إليها الرجال والنساء، ويقال: هذه خرزة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت عالية لا تنال بالأيدي، فتقف المرأة لصاحبتها حتى ترقى على ظهرها وكتفيها حتى تصل إليها، فربما وقعت المرأة وانكشفت عورتها، وربما وقعتا معا.
فلما كان سنة إحدى وسبعمائة جاور الصاحب زين الدين أحمد بن محمد المعروف بابن حنا المصري، فرأى ذلك، فاستعظمه وأمر بقلع الجزعة، فقلعت، قال: وهي الآن في حاصل الحرم، ثم توجه إلى مكة في أثناء السنة فرأى أيضا ما يقع من الفتنة عند دخول البيت الحرام، وتعلق الناس بعضهم ببعض، وحمل النساء على أعناق الرجال للاستمساك بالعروة الوثقى في زعمهم، فأمر بقلع ذلك المثال، وزالت تلك البدعة أيضا، ولله الحمد.
قلت: والظاهر أن هذه الجزعة هي التي ذكرها ابن جبير في رحلته في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة لما قدم المدينة، قال: رأيت على المحراب مسمارا مثبتا في جداره فيه شبه حق صغير لا يعرف من أي شيء هو يزعمون أنه كأس كسرى، وشاهدت على رأس المحراب حجرا مربعا أصفر قدر شبر في شبر ظاهر البريق والبصيص، يقال: إنه مرآة كسرى، والله أعلم بحقيقة ذلك كله، انتهى.
ثم رأيت في العقد لابن عبد ربه- وهو أقدم من ابن جبير- أن على ترس يعني المحراب العثماني فضة ثابتة غليظة في وسطها مرآة مربعة ذكر أنها كانت لعائشة رضي الله عنها، ثم فوقه إزار رخام فيه نقوش صفائح ذهب مثمنة فيها جزعة مثل جمجممة الصبي الصغير مسمرة، ثم تحتها إلى الأرض إزار رخام مخلق بالخلوق فيه الوتد الذي كان صلّى الله عليه وسلّم يتوكأ عليه في المحراب الأول، انتهى.