للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولما حفر متولي العمارة في زماننا أرض المسجد الشريف وسواها بأرض المصلى الشريف وجد هذا الرخام المذكور، وارتفاعه عن أرض المصلى الشريف نحو ما ذكره ابن النجار وابن جبير؛ ثم لما أرادوا تأسيس المنبر الرخام الآتي ذكره حفروا حول الدكة المذكورة فظهر أنها منخفضة عن أرض المصلّى الشريف التي استقر عليها الحال اليوم يسيرا، وخلفها من جهة القبلة إفريز نحو ثلث ذراع، وطولها سبع أذرع، بتقديم السين، وشبر، وهي مجوفة شبيهة بالحوض، فصح ما ذكره ابن جبير في تسميتها حوضا، وصح أيضا ما سيأتي عنه من أن سعة المنبر خمسة أشبار؛ لأن جوف هذا الحوض الذي وجدناه بما دخل من عمودي المنبر في أحجاره خمسة أشبار، وقول ابن زبالة أولا «وذرع طول المنبر اليوم أربع أذرع» مراده ارتفاعه في الهواء مع الدرج الست التي زادها مروان؛ فيكون طول الدرج الست ذراعين؛ فتكون كل درجة ثلث ذراع، فيقرب مما قدمه ابن زبالة في طول درج منبر النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو الذي تقتضيه المناسبة.

ونقل الزين المراغي عن ابن زبالة أنه قال: طول منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بما زيد فيه أربعة أذرع، ومن أسفل عتبته إلى أعلاه تسعة أذرع وشبر.

قلت: كذا رأيته بخط الزين، وضبط قوله: «تسعة أذرع» بتقديم التاء الفوقية، وهو غلط في النسخة التي وقعت له؛ لأن الذي قدمناه عن ابن زبالة إنما هو من أسفل عتبته إلى مؤخره، وقررناه بما تقدم، وإنما قضينا على ذلك بالغلط لأنه حينئذ لا يلتئم أطراف كلامه، ولأنه يقتضي أن يكون ارتفاع المنبر في الهواء تسعة أذرع، بتقديم التاء، وشبرا، فإذا قام عليه القائم يقرب من سقف المسجد، ويبعد كل البعد كون منبر في ذلك الزمان ارتفاعه هذا القدر، وأيضا فابن زبالة قد صرح بأن الذي زاده مروان ست درج، فيلزم أن يكون كل درجة ذراعا وشيئا، وهو في غاية البعد، وما نقلناه عن ابن زبالة يقرب مما ذكره ابن النجار؛ فإنه قال عقب ما قدمناه عنه في وصف منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ما لفظه: وطول المنبر اليوم ثلاثة أذرع وشبر وثلاث أصابع، والدكة التي عليها من رخام طولها شبر وعقد، ومن رأسه- أي المنبر- دون دكته إلى عتبته خمسة أذرع وشبر وأربع أصابع، وقد زيد فيه اليوم عتبتان وجعل عليه باب يفتح يوم الجمعة، انتهى؛ فهو قريب مما ذكره ابن زبالة من أن طول المنبر- يعني في الهواء- أربعة أذرع، وامتداده هو خاصة في الأرض من عتبته إلى مؤخره ستة أذرع، ويوافق أيضا ما ذكره الفقيه أبو الحسين محمد بن جبير من حديث القدر، فإنه قال: رأيت منبر المدينة الشريف في عام ثمان وسبعين وخمسمائة، وارتفاعه من الأرض نحو القامة أو أزيد، وسعته خمسة أشبار، وطوله خمس خطوات، وأدراجه ثمانية، وله باب على هيئة الشباك مقفل يفتح يوم الجمعة، وطوله- أي الباب- أربعة أشبار ونصف شبر، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>