للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنبر هو الذي وصفه ابن النجار فيما يظهر؛ لأنه وضع تاريخه سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وتوفي قبل حريق المسجد سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وكان احتراق المسجد كما سيأتي سنة أربع وخمسين وستمائة، وفيه احترق هذا المنبر، وفقد الناس بركته.

وقد زاد ابن جبير على ابن النجار في وصف هذا المنبر فقال: وهو مغشّى بعود الآبنوس، ومقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أعلاه ظاهر قد طبق عليه لوح من الآبنوس غير متصل به يصونه من القعود عليه؛ فيدخل الناس أيديهم إليه ويمسحونه بها تبركا بلمس ذلك المقعد الكريم، وعلى رأس رجل المنبر الأيمن حيث يضع الخطيب يده إذا خطب حلقة فضة مجوفة مستطيلة تشبه حلقة الخياط التي يضعها في أصبعه إلا أنها أكبر منها، وهي لاعبة تستدير في موضعها، انتهى.

والظاهر: أن هذا المنبر غير الذي وصفه ابن زبالة لأنه لم يصفه بذلك، ويوضح ذلك ما ذكره في الطراز لسند من المالكية حيث قال: إن منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل عليه منبر كالغلاف، وجعل في المنبر الأعلى طاق مما يلي الروضة، فيدخل الناس منها أيديهم يمسحون منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ويتبركون بذلك، انتهى؛ فهذا شيء حدث بعد ابن زبالة.

وقد قال المطري: حدثني يعقوب بن أبي بكر من أولاد المجاورين، وكان أبوه أبو بكر فراشا من قوام المسجد، وهو الذي كان حريق المسجد على يده، أن المنبر الذي زاده معاوية ورفع منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم تهافت على طول الزمان، وأن بعض خلفاء بني العباس جدده، واتخذ من بقايا أعواد منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أمشاطا للتبرك، وعمل المنبر الذي ذكره ابن النجار فيما تقدم.

قال يعقوب: سمعت ذلك من جماعة بالمدينة ممن يوثق بهم، وأن المنبر المحترق هو الذي جدده الخليفة المذكور، وهو الذي أدركه ابن النجار؛ لأن وفاته قبل الحريق.

قلت: وظاهر كلام ابن عساكر في تحفته أنه كان قد بقي من المنبر الشريف بقايا فقط إلى احتراق المسجد، وهو من أدرك حريقه، وأورد في كتابه ما ذكره شيخه ابن النجار، ولفظه: وقد احترقت بقايا منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم القديمة، وفات الزائرين لمس رمانة المنبر التي كان صلّى الله عليه وسلّم يضع يده المقدسة المكرمة عليها عند جلوسه عليه، ولمس موضع جلوسه منه بين الخطبتين وقبلهما، ولمس موضع قدميه الشريفتين بركة عامة ونفع عائد، وفيه صلّى الله عليه وسلّم عوض من كل ذاهب ودرك من كل فائت، انتهى. وهو صريح في بقاء ما ذكره إلى حين الحريق، ويؤيده ما تقدم عن رحلة ابن جبير وصاحب الطراز، بل ظفرنا بما يشهد لصحة ذلك؛ فإنه لما أراد متولي العمارة تأسيس المنبر الرخام الآتي ذكره حفروا على الدكة التي تقدم أن المنبر

<<  <  ج: ص:  >  >>