عينين، والذي لقيناه وأخبر بوضعه موضع المنبر الذي كان قبله هو الجمال بن صالح في آخر عمره، وكان غير تام الضبط حينئذ، وكنت قد أيدت خبره بأنا قد قدمنا إلى الصندوق الذي في قبلة المصلى الشريف في عرض الجدار، وأن المصلى الشريف لم يغير باتفاق، وأن منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم كان بينه وبين الجدار القبلي ممر الشاة أو ممر الرجل منحرفا، وأقصى ما قيل فيه ذراع وشيء كما قدمناه، فإذا أسقطت قدر ما بين طرف المصلى الشريف والدرابزين الذي أمامه مما بين المنبر اليوم والدرابزين المذكور وهو ثلاثة أذرع ونصف بقي ذراع، وهو نحو القدر المنقول فيما بين المنبر القديم وجدار المسجد الشريف، ثم تبين لنا مما سبق في حدود المسجد النبوي وبانكشاف المرمر الذي في قبلة المنبر تقدم الدرابزين المذكور عن ابتداء المسجد النبوي بأزيد من ذراع كما قدمناه في حدود المسجد النبوي؛ فالصواب ما ذكره المطري ومن تبعه.
وطول هذا المنبر في السماء سوى قبته وقوائمها، بل من الأرض إلى محل الجلوس، ستة أذرع وثلث، وارتفاع الخافقتين اللتين يمين المجلس وشماله ذراع وثلث، وامتداد المنبر في الأرض من جهة بابه إلى مؤخره ثمانية أذرع ونصف راجحة، وعدد درجه ثمانية، وبعدها مجلس ارتفاعه نحو ذراع ونصف، وقبته مرتفعة، ولها هلال قائم عليها مرتفع أيضا، وما أظن منبرا وضع قبله في موضعه أرفع منه، وله باب بصرعتين.
وقد احترق هذا المنبر في حريق المسجد الثاني الحادث في رمضان عام ستة وثمانين وثمان مائة، فكانت مدة الخطبة عليه نحو سبع وستين سنة.
ولما نظف أهل المدينة محله جعلوا في موضعه منبرا من آجر مطلي بالنورة، واستمر يخطب عليه إلى أثناء شهر رجب سنة ثمان وثمانين، فهدم رابع الشهر المذكور، وحفروا لتأسيس المنبر الرخام الموجود اليوم ظاهر الدكة المتقدم ذكرها، فوجدت على النحو المتقدم، ونقضوا من بعضها قريب القامة فلم يبلغوا نهايتها، ووجدوها محكمة التأسيس في الأرض، فأعادوها كما كانت، إلا ما كان فوقها من نحو أزيد من نصف ذراع من الآجر، وسوّوا ما وجد مجوفا منها كالحوض بالبناء بعد وضع ما تقدم ذكره مما وجد بمقدمها من بقايا المنبر القديم المحترق في الحريق الأول بمقدمها أيضا، وكانوا قد سألوني عن ابتداء حد المنبر القديم من جهة القبلة والروضة فأخبرتهم بذلك، وأن ذلك الحوض وما به من محل قوائم المنبر الأصلي إمام يقتدى به لموافقته ما ذكره المؤرخون قديما وحديثا، فشرعوا في وضع رخام المنبر عليها على سمت ما ظهر من الفرضة التي وجدوها في الحوض المذكور على الاستقامة من غير انحراف، وبينها وبين طرف الدكة الشرقي خمسة أصابع، لما ظهر من أن المنبر الأصلي كان بالحوض المذكور، ومشاهدة محل قوائمه نقرا في الحجر وبقايا الرصاص