روضة من رياض الجنة، فتراه جعل المسجد كله روضة، والمشهور أن المراد بيت خاص، وهو بيت عائشة رضي الله عنها؛ للرواية الآخرى «ما بين قبري ومنبري» قال ابن خزيمة:
أراد بقوله ما بين بيتي الذي أقبر فيه؛ إذ النبي صلّى الله عليه وسلّم قبر في بيته الذي كانت تسكنه عائشة، قال الخطيب: فعلى هذا تسامت- يعني الروضة- حائط الحجرة من القبلة والشمال من جهة الحجرة، ولا تزال تقصر إلى جهة المنبر، أو توجد المسامتة مستوية فلينظر، هذا كله كلام الخطيب.
قلت: فتلخص من ذلك ثلاثة آراء: الأول: أنها المسجد الموجود في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، الثاني:
أنها ما سامت المنبر والحجرة فقط، فتتسع من جهة الحجرة وتضيق من جهة المنبر لما تقدم في مقداره، وتكون منحرفة الأضلاع لتقدم المنبر في جهة القبلة وتأخر الحجرة في جهة الشام، فتكون كشكل مثلث ينطبق ضلعاه على قدر المنبر، الثالث: أنها ما سامت كلا من طرفي الحدين، فتشمل ما سامت المنبر من مقدم المسجد في جهة القبلة وإن لم يسامت الحجرة، ويشمل ما سامت الحجرة من جهة الشمال، وإن لم يسامت المنبر، فتكون مربعة، وهي الأروقة الثلاثة: رواق المصلى الشريف، والرواقان بعده، وذلك هو مسقف مقدم المسجد في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، لأنه قد تحرر لنا في هذه العمارة التي أدركناها أن صف أسطوان الوفود- وهي التي كانت إلى رحبة المسجد كما سيأتي- واقع خلف الحجرة سواء، حتى إن الأسطوانة التي تلي مربعة القبر في صفها الداخلة في الزور بعضها داخل في جدار الحجرة الشامي كما سيأتي بيانه.
وأما أدلة هذه الأقوال فقد استدل الريمي للأول بأشياء غالبها ضعيف مبناه على أن إطلاق الروضة من قبيل المجاز لما في ذلك من المضاعفة ونحوه، وأحسنها ما أشار إليه الخطيب ابن حملة وأيده الريمي بأشياء، فقال: قوله «بيتي» من قوله «ما بين بيتي» مفرد مضاف، فيفيد العموم في سائر بيوته صلّى الله عليه وسلّم، وقد كانت بيوته مطيفة بالمسجد من القبلة والمشرق- وفيه بيت عائشة- والشام كما سيأتي عن ابن النجار وغيره، ولم يكن منها في جهة المغرب شيء، فعرف الحد من تلك الجهة بالمنبر الشريف، فإنه كان في آخر جهة المغرب بينه وبين الجدار يسير؛ لأن آخره من تلك الجهة الأسطوانة التي تلي المنبر، والمنبر على ترعة من ترع الجنة، فقد حدد الروضة بحدود المسجد كلها.
قلت: وهو مفرع على ما ذكره ابن النجار في تحديد المسجد من جهة المغرب، وقد مشيت عليه في تواليفي قبل أن أقف على ما قدمته في حد المسجد، وقد مشى على ذلك الزين المراغي فقال: ينبغي اعتقاد كون الروضة لا تختص بما هو معروف الآن، بل تتسع إلى حد بيوته صلّى الله عليه وسلّم من ناحية الشام، وهو آخر المسجد في زمنه صلّى الله عليه وسلّم؛ فيكون كله روضة، وهذا