وأورد الزمخشري قصة أبي لبابة في تفسيره قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [الأنفال: ٢٧] الآية، وقال فيها: قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت أي: الآية المتقدمة، فشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه، وذكر في القصة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جاءه فحله فقال:
إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أخلع من مالي، فقال عليه السلام:«يجزئك الثلث أن تتصدق به» .
ونقل ابن النجار عن إبراهيم بن جعفر أن السارية التي ربط إليها ثمامة بن أثال الحنفي هي السارية التي ارتبط إليها أبو لبابة، ونقل ذلك أيضا عن ابن شبة.
وروى البيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ [التوبة:
١٠٢] الآية، قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، فلما حضر رجوع النبي صلّى الله عليه وسلّم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، فلما رآهم النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: من هؤلاء؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك، الحديث، وفيه توبة الله عليهم وأنه صلّى الله عليه وسلّم أرسل إليهم وأطلقهم.
وروى ابن زبالة عن عمر بن عبد الله بن المهاجر عن محمد بن كعب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي نوافله إلى أسطوانة التوبة.
وفي رواية له عن عمر بن عبد الله، لم يذكر ابن كعب، أنه قال في أسطوان التوبة:
كان أكثر نافلة النبي صلّى الله عليه وسلّم إليها، وكان إذا صلّى الصبح انصرف إليها، وقد سبق إليها الضعفاء والمساكين وأهل الضر وضيفان النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤلفة قلوبهم ومن لا مبيت له إلا في المسجد، قال: وقد تحلقوا حولها حلقا بعضها دون بعض، فينصرف إليهم من مصلاه من الصبح، فيتلو عليهم ما أنزل الله عليه من ليلته، ويحدثهم ويحدثونه، حتى إذا طلعت الشمس جاء أهل الطّول والشرف والغنى فلم يجدوا إليه مجلسا، فتاقت أنفسهم إليه وتاقت نفسه إليهم، فأنزل الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف: ٢٨] إلى منتهى الآيتين، فلما نزل ذلك فيهم قالوا: يا رسول الله اطردهم عنا، ونكون نحن جلساءك وإخوانك ولا نفارقك، فأنزل الله عز وجل: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام: ٥٢] إلى منتهى الآيتين.
وفي العتبية عن مالك وصف أسطوان التوبة بالمخلقة، وقد قدمنا في الكلام على المصلى الشريف ما ذكره ابن زبالة من خلوقها وخلوق غيرها من الأساطين.
وروى ابن زبالة خبر مالك بن أنس المتقدم عن عبد الله بن أبي بكر بنحو ما تقدم،