للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيفه، فرآه على الصخرة، وإذا ما هناك يومئذ أندر لغلام من بني إسرائيل، فأتاه داود عليه السلام. فقال: إني قد أمرت أن أبني هذا المكان بيتا لله تعالى، فقال له الفتى: الله أمرك أن تأخذ مني بغير رضاي؟ قال: لا، فأوحى الله إلى داود إني قد جعلت في يدك خزائن الأرض فأرضه، فأتاه داود عليه السلام فقال: إني قد أمرت برضاك، فلك بها قنطار من ذهب، فقال: قد قبلت، فيا داود هي خير أم القنطار؟ فقال: بل هي، قال: فأرضني، قال: فلك بها ثلاث قناطير، فلم يزل يشدد على داود حتى رضي منه بتسع قناطير، قال العباس رضي الله عنه: اللهم لا آخذ لها ثوابا، وقد تصدقت بها على جماعة المسلمين، فقبلها عمر، فأدخلها في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قلت: وهذا يفهم أن داود صلوات الله وسلامه عليه بنى بين المقدس، وأنه أول من بناه، والرواية المتقدمة تقتضي أن سليمان صلوات الله وسلامه عليه هو الذي بناه، ويؤيده ما روى الطبراني من حديث رافع بن عميرة مرفوعا قال: قال الله عز وجل لداود: ابن لي بيتا في الأرض، وإن داود- عليه السلام- بنى المسجد، فلما تم السور سقط ثلثاه، فشكا ذلك إلى الله تعالى، فأوحى الله إليه إنه لا يصلح أن يا بني لي بيتا، وذكر قصة غير ما تقدم، فشق ذلك على داود، فأوحى الله تعالى إليه: إني سأقضي بناءه على يد ابنك سليمان.

وروى النسائي من حديث عمرو بن العاص مرفوعا بإسناد صحيح أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا- الحديث.

وسواء كان الباني له داود أو سليمان عليهما السلام يشكل عليه ما في الصحيحين عن أبي ذر: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أول مسجد وضع على الأرض، فقال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: أربعون عاما، ووجه الإشكال كما ذكره ابن الجوزي أن إبراهيم عليه السلام بنى الكعبة وبينه وبين سليمان أكثر من ألف سنة، وقد مشى ابن حبان على ظاهر الحديث المذكور، فقال: فيه رد على من زعم أن بين داود وإبراهيم ألف سنة، ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة، وهذا عين المحال؛ للاتفاق على طول الزمان بين إبراهيم وموسى عليهما السلام، ثم إن نص القرآن أن قصة داود في قتل طالوت كانت بعد موسى بمدة.

وأجاب ابن الجوزي بأن الإشارة في حديث الصحيحين إلى أول البناء، ووضع أساس المسجد، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة، ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس؛ فقد روى أن أول من بنى الكعبة آدم، ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس بعد ذلك بأربعين سنة، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>