للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهدمناه بعمال المدينة فبدأنا بهدم بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد، وقال ابن زبالة فيما رواه عن محمد بن عمار عن جده: وكان في موضع الجنائز- أي شرقي المسجد في زمان الوليد بن عبد الملك- نخلتان إذا أتى بالموتى وضعوا عندهما فيصلي عليهم، فأراد عمر بن عبد العزيز قطعهما حين ولي عمل المسجد للوليد بن عبد الملك، وذلك في سنة ثمان وثمانين، فاقتتلت فيهما بنو النجار من الأنصار، فابتاعهما عمر بن عبد العزيز فقطعهما.

قلت: ولا ينافي ذلك ما تقدم من أن عمر هدم المسجد في سنة إحدى وتسعين، لجواز أن يكون ولايته لذلك سنة ثمان وثمانين، واستمر في تحصيل الأهبة وشراء الأماكن وتخمير النورة «١» إلى سنة إحدى وتسعين.

وفيما رواه يحيى عن حفص بن مروان عن أبيه أن عمر مكث في بنائه ثلاث سنين.

قلت: فعلى هذا يكون قد فرغ منه في آخر سنة ثلاث وتسعين، وهي السنة التي عزل فيها عمر عن المدينة، وفيه ردل لقول من زعم أن هدمه كان في سنة ثلاث وتسعين، لكن في رواية لابن زبالة ما يقتضي أن البداءة في هدم المسجد وعمارته كانت في سنة ثمان وثمانين؛ فإنه قال فيها: وابتدأ عمر بن عبد العزيز بناء المسجد سنة ثمان وثمانين، وفرغ سنة إحدى وتسعين، وفيها حج الوليد.

قال: ولما فرغ عمر بن عبد العزيز من بنيان المسجد أرسل إلى أبان بن عثمان، فحمل في كساء خز حتى انتهى به إليه، فقال: أين هذا البناء من بنيانكم؟ فقال: بنيناه بناء المساجد وبنيتموه بناء الكنائس، قال: وقال الوليد حين رأى خوخة آل عمر: صانعتهم لمكان الخوخة، هكذا في النسخة التي وقعت لنا، ولعلها لمكان الخؤلة؛ لأن المطري قال: إن الوليد قال له: صانعت أخوالك، وقد كانت أم عمر بن عبد العزيز منهم.

وروى يحيى عن جعفر بن وردان عن أبيه ما يقتضي أن المخاطب لأبان بن عثمان هو الوليد؛ فإنه قال: فلما قدم الويد حاجا جعل يطوف في المسجد وينظر إليه ويصيح بعمر:

هاهنا، ومعه أبان بن عثمان، فلم استنفد الوليد النظر إلى المسجد التفت إلى أبان وقال: أين بناؤنا من بنائكم؟ قال أبان: إنا بنيناه بناء المساجد وبنيتموه بناء الكنائس.

قلت: وكان قد اعتنى عمر بتحسينه؛ فقد روى يحيى عن النضر بن أنس قال: كان عمر ابن عبد العزيز إذا عمل العامل الشجرة الكبيرة من الفسيفساء فأحسن عملها نفّله «٢»


(١) النورة: حجر الكلس.
(٢) نفّله: أعطاه زيادة على نصيبه الواجب له.

<<  <  ج: ص:  >  >>