سنة ستين وثمانمائة برغوث بن بتير بن جريس الحسيني؛ فدخل الدار المعروفة بدار الشباك بجانب باب الرحمة ليلا، ولم يكن بها ساكن، وتسوّر جدار المسجد، ودخل بين سقفي المسجد الشريف من شباك هناك، ومشى حتى بلغ ما يحاذي سقف الحجرة الشريفة، فأخذ من تلك القناديل شيئا كثيرا، وكأنه تردد لذلك المرة بعد الآخرى، ولم يشعر أهل المسجد ونظاره بشيء من ذلك، غير أن أمة لبعض جيران الدار المذكورة رأت من سطح دارهم شخصين في أعلى دار الشباك يتعاطيان شيئا له حجم كبير وصوت صليل، فلما أصبحت أخبرت بواب المسجد فلم يعبأ بذلك لخلو تلك الدار، وبعد ذلك الأمر عن الأفكار، ولكن الله أراد هتك المذكور وحلول النقمة به، فأنهى بعض الناس إلى أمير المدينة أن المذكور معه شيء كثير من المال غير معهود، فأمسكه الأمير وضيّق عليه بالسجن، فانخلس ليلا، ثم شاع بالمدينة بيع شبابيك من الفضة والذهب، فكثر القال والقيل، ثم في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وستين استفاض أن برغوثا بالينبع ومعه قطع من ذهب القناديل، فافتقد النظار الحجرة الشريفة، فرأوا أكثر القناديل مأخوذا، فعلموا الحال، لكن لم يعلموا الكيفية، واتهمت ابنة السراج النفطي بممالأة برغوث على ذلك وأنه إنما تسور من بيت أبيها لكونه متصلا بالمسجد في قبلته، وأظهر الله براءتها بعد ذلك، وكان بالمدينة إذ ذاك زين الدين استدار الصحبة فعقد مجلسا لذلك، واجتمع أعيان أهل المدينة، وكتبوا إلى أمير الينبع بالقبض على برغوث وإرساله، فقبض عليه، فاعترف أنه فعل ذلك هو ودبوس بن سعد الحسيني الطفيلي، وجعل أن دخوله من بيت المرأة المتقدم ذكرها، وأن بعض الخدام واطأه على ذلك، ثم أظهر الله الحق، وأن دخوله إنما كان من دار الشباك، وأن شريكه المعين له على ذلك دبوس المذكور، ولم ير أمير ينبع إرساله إلى المدينة، بل تركه عنده منتظرا الأوامر السلطانية، ثم إن أمير المدينة أمسك دبوسا وبعض أقاربه، فأنكر هو، وأقر عليه بعض جماعته وأحضروا جانبا من الذهب والفضة، ثم هرب برغوث من الحبس بالينبع، ثم ساقه الله إلى المدينة، فلما وصل دلّ عليه أميرها، فأمسكه وحبسه مع دبوس وذويه، فهربوا، ثم أظفر الله بهم، ولم يغب منهم إلا دبوس، وبرزت المراسيم بقتل من تجرأ على هذه العظيمة، فقتل أمير المدينة برغوثا وآخر معه من أقاربه يسمى ركابا، وصلبهما، ثم ظفر بدبوس وقتله أيضا.
وأخبرت عن برغوث أنه قال: كنت كلما توجهت في حال هربي لغير جهة المدينة كأني أجد من يصدني عن ذلك، وإذا قصدت جهة المدينة تيسرت لي وكأن شخصا يقودني إليها حتى دخلتها.
وأما عدة القناديل الموجودة في زماننا هذا بالحجرة الشريفة فقد ضبطت في أول سنة