للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة كما حببت مكة أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وحوّل حمّاها إلى الجحفة» .

وهو في البخاري بلفظ: «لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال- رضي الله عنهما! - وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كلّ امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا قلع عنه يرفع عقيرته ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل

اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حمّاها إلى الجحفة» قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان يجري نجلا، تعني ماء آجنا «١» .

ورواه في الموطأ بزيادة: «وكان عامر بن فهيرة يقول:

قد ذقت طعم الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه»

ورواه ابن إسحاق بزيادة أخرى، ولفظه: «لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى، فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرفه الله عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم قالت: فكان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال مولى أبي بكر مع أبي بكر في بيت واحد، فأصابتهم الحمى، فدخلت عليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب الحجاب، ولهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك، فدنوت من أبي بكر، فقلت: كيف تجدك يا أبت؟ أي كيف تجد نفسك، فقال:

كل امرئ

البيت المتقدم، فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول، ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة، فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال:

لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه

كل امرئ مجاهد بطوقه ... كالثور يحمي جلده بروقه «٢»

قالت: فقلت ما يدري عامر ما يقول، وقالت: وكان بلال إذا تركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته وقال:


(١) أجن الماء: تغير لونه وطعمه ورائحته، البطحان: واد بالمدينة.
(٢) الروق: قرن الدابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>