رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولمن حضره من المسلمين في سنة إحدى وخمسين ومائة ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، إلى آخر ما ذكراه.
قلت: وزياد هذا هو زياد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي خال السفاح، وكانت ولايته على المدينة ومكة من قبل أبي العباس المنصور في سنة ثمان وثلاثين ومائة؛ فقول ابن أبي فديك في رواية ابن شبة «فلم يزل حتى قدم زياد بن عبيد الله سنة ثمان وثلاثين» مبيّن لتاريخ قدومه فقط، وقوله «فهدمها» يعني في مدة ولايته؛ فليس فيه تعرض لأن الهدم كان في ذلك التاريخ؛ فلا يخالف ما كتب على الباب المذكور، وليحمل أيضا قوله في رواية ابن زبالة «فهدم زياد بن عبيد الله إذ كان واليا في سنة ثمان وثلاثين ومائة» على أن المراد بيان ابتداء ولايته، لا تاريخ الهدم، جمعا بين الكلامين، والرواية الأولى أقرب إلى التأويل من هذه.
وقد ذكر ابن زبالة في روايته المتقدمة عن محمد بن إسماعيل أنه قال: إن زياد بن عبيد الله جعل السّتور على الأبواب الأربعة: باب دار مروان أي المعروف بباب السلام، والخوخة أي المجعولة في محاذاة خوخة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وباب زياد أي المذكور، وباب السوق أي وهو باب الرحمة كما يؤخذ من كلام يحيى.
وقال المجد في ترجمة دار القضاء: هي دار مروان بن الحكم، وكانت لعمر بن الخطاب فبيعت في قضاء دينه، وقد زعم بعضهم أنها دار الإمارة، وهو محتمل لأنها صارت لأمير المدينة.
قلت: دار مروان هي الآتية في قبلة المسجد، وليست هذه بلا شك، ولعل المراد أن مروان ملك دار القضاء فنسبت إليه، وهو غير معروف، إلا أن الحافظ بن حجر نقل عن ابن شبة أنها صارت لمروان وهو أمير المدينة، قال: فلعل ذلك شبهة من قال «إنها دار الإمارة» فلا يكون غلطا، وقال في المشارق: وقد غلط فيها بعضهم فقال يعني دار الإمارة.
قلت: والذي رأيته في ابن شبة إنما هو صيرورتها لمعاوية كما قدمناه، مع أن المشهور قديما بدار الإمارة إنما هي دار مروان التي في قبلة المسجد، وتقدم أن الأمراء كانوا يدخلون من باب منها إلى المقصورة، وتوهم البرهان ابن فرحون أنها رحبة دار القضاء، فقال: قال ابن حبيب: وما كان من مضى- يعني من القضاة- يجلسون في رحاب المسجد، بل إما عند موضع الجنائز، يريد خارج باب جبريل، وإما رحبة دار مروان التي تسمى رحبة القضاء، وقد جعل ذلك في هذا الوقت ميضأة، انتهى. وهو وهم؛ لأن الذي جعل ميضأة هو نفس دار مروان كما سيأتي، وبالجملة فلا خلاف في كون دار القضاء هي الرحبة التي كانت في غربي المسجد إلى باب مروان.