ويؤخذ مما تقدم أن هذه الرحبة كانت في محاذاة باب زياد وما بعد، إلى باب السلام.
ويؤخذ مما سيأتي في الدور المطيفة بالمسجد أنها كانت ممتدة إلى باب الرحبة أيضا، وهو مقتضى ما أخبر به بعض مشايخ المدينة أنه لم يزل يسمع أنه لم يكن بين باب الرحمة وباب السلام دار تلاصق المسجد.
قلت: فموضع هذه الرحبة اليوم دار الشباك الملاصقة لباب الرحمة، وما يليها من المدرسة الجوبانية والحصن العتيق.
ودار الشباك أنشأها شيخ الخدام كافور المظفري، المعروف بالحريري، بعد السبعمائة، وجعل لها شباكا إلى المسجد، وليس حول المسجد دار لها شباك في جدار المسجد إلا هي، والذي يظهر أن باب زياد كان في موضع شباكها أو إلى جانبه القبلي.
وأما المدرسة الجوبانية فابتناها جوبان أتابك العساكر المغلية في سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وجعل له فيها تربة ملاصقة لجدار المسجد بين دار الشباك والحصن العتيق، وهي- أعني التربة- من جملة رحبة القضاء، واتخذ فيها شباكا في جدار المسجد، وهو مسدود اليوم، ولم يدفن فيها بعد أن حمل إليها في تابوت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة من بغداد بأمر السلطان أبي سعيد فدخلوا به مكة وطافوا به حول البيت كما فعل بالجواد الأصفهاني، وذلك صحبة الحاج العراقي، فلما وصلوا به المدينة منعهم أميرها من ذلك حتى يشاور السلطان الناصر، كذا قاله بعضهم، وقال الصلاح الصفدي: لما بلغ الملك الناصر أمر تجهيزه ليدفن في المدينة جهز الهجن إلى المدينة، وأمرهم ألايمكن من الدفن في تربته، فدفن في البقيع.
وذكر لي بعض الناس أن علة المنع من دفنه بتربته أنه إذا وضع فيها للقبلة كانت رجلاه إلى الجهة الشريفة؛ لأن تربته في غربي المسجد، بخلاف الجواد وغيره ممن دفن في شرقي المسجد، فإن رؤوسهم إلى جهة الأرجل الشريفة، والله أعلم.
وأما الحصن العتيق فإنه كان منزلا لأمراء المدينة، ثم انتقل إلى السلطان غياث الدين سلطان بنجالة أبي المظفر أعظم ابن السلطان اسكندر، وابتناه مدرسة في سنة أربعة عشرة وثمانمائة، وتوفي في تلك السنة، ويقال: إن غيره سبقه إلى جعله رباطا قبل ذلك.
ثم اقتضى رأي متولي العمارة بعد الحريق الحادث في زماننا استبدال دار الشباك المذكورة وما يليها من الجوبانية وجميع الحصن العتيق عند هدم ما يلي ذلك من جدار المسجد الغربي، وعمل ذلك مدرسة ورباطا للسلطان الأشرف فيما بين باب السلام وباب الرحمة كما سبق في الفصل التاسع والعشرين.
واعلم أن المطري زاد هنا بابا بدل الباب الذي أسقطه قبل باب عاتكة فقال: إنه كان