ماشيا على باب سعد بن أبي وقاص، ويرجع إلى أبي هريرة» وحينئذ فيمر على دار أبي هريرة في ذهابه ثم في رجوعه؛ لأن الشافعي روى في الأم ومنها نقلت عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم، فإذا رجع رجع من الطريق الآخرى على دار عمار بن ياسر» .
ورواه ابن زبالة عن محمد بن عمار بلفظ «كان يخرج إلى المصلى من الطريق العظمى على أصحاب الفساطيط، ويرجع من الطريق الآخرى على دار عمار بن ياسر» وقد قدمنا أن دار عمار بن ياسر في زقاق عبد الرحمن بن الحارث الذي يسلك إلى البلاط عند دار أبي هريرة بابها يقابل دار عبد الرحمن بن الحارث، ولها خوخة في كتّاب عروة، فصحّ مروره صلى الله عليه وسلم عليها مرتين في غداة واحدة مع ذهابه من طريق ورجوعه في أخرى.
وسيأتي في ذكر طريقه صلى الله عليه وسلم إلى قباء ذهابا وإيابا ما يصرح بأنه إذا رجع يمر على مسجد بني زريق من كتّاب عروة حتى يخرج إلى البلاط، يعني من الزقاق المذكور؛ لما قدمناه في وصف البلاط.
والطريق العظمى: - كما قال المطري- هي طريق الناس اليوم من باب المدينة: أي الدرب المعروف بدرب سويقة إلى مسجد المصلى، ولم يتعرض لبيان الطريق الآخرى، وقد منّ الله سبحانه وتعالى ببيانه فله الحمد على ذلك. وهذه الطريق هي المرادة بما رواه ابن زبالة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يذبح أضحيته بيده إذا انصرف من المصلى على ناحية الطريق التي كان ينصرف منها» وتلك الطريق أو المكان الذي كان يذبح فيه مقابل المغرب مما يلي طريق بني زريق، أي أنه إذا انصرف من المصلّى أتى موضعا في غربي طريق بني زريق فذبح، ثم سلك في تلك الطريق، وهي سالكة في بني زريق آخذة من قبلة المصلى إلى أن يمر بدار أبي هريرة كما تقدم، ولهذا روى الواقدي عن عائشة وابن عمر وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم «كان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية» أي المتقدم ذكرها. وسور المدينة اليوم مانع من سلوك هذه الطريق في الرجوع. ويستفاد من هذا أن المخالفة بين الطريقين لم تكن في جميعهما، إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وصل إلى محل البلاط الذي عند دار أبي هريرة لم يسلك في بقية الطريق العظمى، وهي الشارعة اليوم إلى باب السلام، بل يأخذ في ميسرة البلاط إلى الشام؛ لأن الظاهر أن غالب تلك الأماكن كانت براحا ثم يعرج إلى جهة داره بعد ذلك. على أن ما ذكرناه في وصف هذه الطريق مقتض لأن طريقه صلى الله عليه وسلم في ذهابه أقصر من طريق رجوعه كما لا يخفى؛ فيعكر على القول بأن المستحب أن يذهب في أطول الطريقين ويرجع في أقصرهما.
وقد روى الشافعي رحمه الله تعالى في الأم عقب ما قدمناه عنه وصف طريق أخرى