للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجوع فيها أبعد من الذهاب أيضا بكثير جدّا؛ فإنه روى عقب ذلك عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عن جده أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجع من المصلّى يوم عيد فسلك على التمارين من أسفل السوق، حتى إذا كان عند مسجد الأعرج الذي هو عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل فج أسلم فدعا ثم انصرف.

قال الشافعي عقبه: وأحبّ أن يصنع الإمام مثل هذا، وأن يقف في موضع فيدعو الله مستقبل القبلة، وإن لم يفعل فلا كفارة ولا إعادة عليه، هذا لفظ الأم ومنها نقلت.

ويؤيد هذا ما رواه يحيى عن محمد بن طلحة بن طويل قال: رأيت عثمان بن عبد الرحمن ومحمد ابن المنكدر ينصرفان من العيد فيقومان عند البركة التي بأسفل السوق، قال:

وسألت عثمان بن عبد الرحمن عن ذلك فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف عند ذلك المكان إذا انصرف من العيد.

وقد قدمنا عن ابن زبالة في سوف المدينة أن محمد بن المنكدر وعثمان بن عبد الرحمن وجماعة كانوا يقومون بفناء بركة السوق مستقبلين، وأن عثمان بن عبد الرحمن قال: قد اختلف علينا في ذلك؛ فقائل يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هنالك، وقائل يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم هنالك فينظر إلى الناس إذا انصرفوا من العيد.

قلت: وقد بينت رواية الشافعي المذكور أنه كان يدعو هنالك إذا انصرف من العيد، ولا مانع من كونه مع ذلك ينظر إلى الناس المنصرفين من العيد أيضا فلا اختلاف. وقد بينا هناك ما يقتضي أنه كان يسلك على سوق التمارين، وهو في شامي المصلى مما يلي المغرب، وبينا أيضا أن منازل أسلم كانت في غربي سوق المدينة إلى الشام بعد التمارين، وذلك عند حصن أمير المدينة وما سفل منه إلى جهة الشام مما يلي غربي سوق الشاميين عند منزل الحاج الشامي بالموسم، وبينا بركة بركة السوق هي المنهل المدرج الذي على يسار المتوجه إلى ثنيّة الوداع عند مشهد النفس الزكية، والقائم عندها إذا استقبل فجّ أسلم كان مستقبلا للقبلة، ولعل مسجد الأعرج الذي أشار الشافعي في روايته إلى أنه عندها هو الموضع الذي هو قبلة مشهد النفس الزكية، فإنه مسجد، وهو عند موضع البركة، وما علمت المرأة بالأعرج الذي نسب إليه المسجد المذكور.

وقد أنشأ قاضي الحرمين السيد الشريف العلامة محيي الدين عبد القادر الحنبلي الفاسي المكي مسجدّا بمنزلة الحاج الشامي بالقرب من المنهل المذكور في جهة قبلته.

إذا علمت ذلك فهذه الطريق تزيد على الطريق العظمى إلى المصلى بنحو ضعفها، ويمكن سلوكها اليوم في الرجوع من المصلى، بخلاف الطريق السابقة؛ لحيلولة السور.

<<  <  ج: ص:  >  >>