سلع، قال: وفي الوادي عين تأتى من عوالي المدينة تسقي ما حول المساجد من المزارع وتعرف بعين الخيف خيف شامي، وتعرف تلك الناحية بالسيح.
قلت: وقد تقدم في مساجد الفتح إيضاح هذا الكهف، وأن عنده آثار نقر في الجبل، وليست عين الخيف التي ذكرها المطري بجارية في زماننا، بل هي منقطعة، ومجراها معلوم.
وبيّن ابن النجار بما يأتي عنه في الخندق أنها تأتي من قباء، وأصلها فيما يقال معلوم غربي قباء، وقد شرع في إجرائها متولّي العمارة الجناب الشمسي ابن الزمن، فتتبّع قناتها إلى أن آل إلى الموضع الذي يقال إنه أصلها، ثم بالغوا في تنظيفه فلم يجر.
قال المطري: فأما العين التي ذكر ابن النجار أنها مقابلة المصلى فهي عين الأزرق، وهو مروان بن الحكم، أجراها بأمر معاوية رضي الله تعالى عنه، وهو واليه على المدينة، وأصلها من قباء المعروف من بئر كبيرة غربي مسجد قباء في حديقة نخل، وتجري إلى المصلى، وعليها في المصلى قبة كبيرة مقسومة نصفين، يخرج الماء منها في وجهين مدرجين قبلي وشمالي، وتخرج العين من جهة المشرق، ثم تأخذ إلى جهة الشمال.
قال: وأما عين النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكر ابن النجار فليست تعرف اليوم، وإن كانت كما قال عند الكهف المذكور فقد دثرت، وعفا أثرها.
قلت: مراد ابن النجار أن أصلها عند الكهف، وأنها تجري إلى الموضع الذي عليه البناء في مقابلة المصلى، وقد وافق ابن النجار على ذلك ابن جبير في رحلته، فقال: وقبل وصولك سور المدينة من جهة المغرب بمقدار غلوة تلقى الخندق، وبينه وبين المدينة عن يمين الطريق العين المنسوبة إليالنبي صلى الله عليه وسلم، وعليها حلق عظيم، ومستدير، ومنبع العين وسط ذلك الحلق كأنه الحوض المستطيل، وتحته سقايات مستطيلات باستطالة الحلق، وقد ضرب بين كل سقاية وبين الحوض بجدارين، وهو يمدّ السقايتين، ويهبط إليها على أدراج نحو الخمس والعشرين درجة، وهما لتطهير الناس واستقائهم وغسل أثوابهم، والحوض المذكور لا يتناول منه لغير الاستسقاء خاصة صونا له، انتهى.
قال المجد: وبشبه أنه اشتبه عليه عين الأزرق بعين النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: اتفاقه هو وابن النجار على ذلك يبعد الاشتباه، بل يحتمل أن عين النبي صلى الله عليه وسلم كانت تحرى إلى هذا الموضع، وكذا عين الأزرق، ثم انقطعت الأولى وبقيت الثانية التي هي عين الأزرق.
قال المطري: وقد أخذ الأمير سيف الدين الحسين ابن أبي الهيجاء في حدود الستين وخمسمائة منها شعبة من عند مخرجها من القبة، فساقها إلى باب المدينة من باب المصلى، ثم أوصلها إلى الرحبة التي عند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة باب السلام، أي المقابلة لباب المدرسة الزمنية، وبها سوق المدينة اليوم.