وذكر الأسدي في وصف طريق البصرة ما يقتضي أن ضرية على نحو عشرة أيام من مكة، وأخبرني أهل المعرفة بها أنها من المدينة على نحو سبع مراحل، وأنها إلى المدينة أقرب.
وقال ابن سعد: سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء بطن من أبي بكر كانوا ينزلون البكرات بناحية ضرية، وبين ضرية والمدينة سبع ليال، انتهى.
وتقدم قول الأصمي في الشرف إن به حمى ضرية، قال: وضرية: بئر ماؤها عذب طيب، قال الشاعر:
ألا يا حبذا لبن الخلايا ... بماء ضريّة العذب الزلال
ونقل المجد أن أشهر الأحماء وأسيرها ذكرا حمى ضرية، وكان حمى كليب بن وائل فيما يزعم بعض بادية طيئ، قال: وذلك مشهور عندنا بالبادية يرويه كابر عن كابر، وفي ناحية منه قبر كليب معروف إلى الآن.
قلت: وأخبرني بذلك رئيس أهل نجد ورأسها سلطان البحرين والعطيف فريد الوصف والنعت في جنسه صلاحا وإفضالا وحسن عقيدة أبو الجود أجود بن جبر أيده الله تعالى وسدده، وقال: إن قبر كليب هناك معروف عند العرب يقصدونه، قال: ودلني عليه بعضهم لأقصده، فقلت: وهو واحد من الجاهلية.
ونقل الهجري أن أول من أحمى الحمى بضرية عمر بن الخطاب، أحماه لإبل الصدقة وظهران الغزاة، وأن سروح الغنم العادية من ضرية ترعى على وجوهها ثم تؤوب بضرية، وذلك ستة أميال من كل ناحية، وضرية في وسط الحمى؛ فكان على ذلك حياة عمر وصدرا من ولاية عثمان، ثم كثر النعم حتى بلغ أربعين ألف بعير، فضاق عنه الحمى، فأمر عثمان أن يزاد ما يسع إنل الصدقة وظهران الغزاة، فزاد زيادة لم يحددوها، إلا أن عثمان رضي الله تعالى عنه اشترى ماء من مياه بني ضبيعة كان أدنى مياه غنى إلى ضرية يقال له البكرة عند هضبات يقال لها البكرات على نحو عشرة أميال من ضرية يذكرون أن البكرة دخلت في حمى عثمان، ثم لم تزل الولاة تزيد فيه، واتخذوه مأكلة، ومن أشدهم فيه انبساطا ومنعا إبراهيم بن هشام المخزومي، زاد فيه وضيّق على أهله، واتخذ فيه من كل لون من ألوان الإبل ألف بعير، ولم تزل حواط الحمى يقاتلون عليه أشدّ القتال، ويكون فيه الدماء، وقاتل مرة حواط بن هشام ورعيان أهل المدينة وهم أكثر من مائتي رجل ناسا من غنى على ماء لغنى يقال له الساه قتالا شديدا، فظفر الغنويون، فقتلوا منهم اثني عشر رجلا، ثم صالحوهم على العقل، لكل واحد مائة من الإبل، فقال بعض الغنويين:
يال غنى إنه عقل النّعم ... وليس بالنّوم وترجيل اللّمم
وكان ناس من الضباب قدموا على ولد عثمان، فاستسقوهم بالبكرة فأسقوهم، فلم تزل بأيديهم.