وحفر عثمان عينا في ناحية أرض غنى خارجة عن الحمى بناحية الماء الذي يقال له نفي على نحو خمسة عشر ميلا من أضاخ، وفقرت لها بها فقر كبيرة، وابتنى عماله عندها قصرا أثره بين قرب واردات مقبل، ولم تجر، فتركها العمال، فلم يحرك ذلك السيح إلى اليوم.
ودفنت غنى في فتنة ابن الزبير عنصر العين وتلك الفقر، فنسيت عيونه وكل ما سلف من أضاخ في شرقيها تميمي.
وأدنى مياه بني تميم إلى أضاخ ماء يقال له أضيح لبني الهجيم، وقد دفن منذ دهر، فقال ناس من بني عبد الله بن عامر لأصهار لهم من بني الهجيم: نحن نستسقي لكم آل عثمان فنسقى، فرغبوا في ذلك، فأجابهم آل عثمان، فاستظعن الهجيميون قومهم إليه، فلقيهم رعاء غنى، فسألوهم، فقالوا: إن بني عثمان ولّونا أمره، وبلغ الخبر من بينهم من غنى، فتواعدوا أن ينزلوا أدنى منازلهم من بقي، فاجتمع منهم جمع كثيف، وعلم بنو الهجيم أنهم إن ثبتوا يعظم البلاء، فظعنوا ليلا إلى بلادهم، وخاف بعضهم أن يدرك فتركوا به الرحال وما ثقل وبهما في أرباقه يعني العرى التي يشد بها البهم، فغضب أصهار الهجيميين، واستغضبوا آل عثمان، فلما قدم الحسن بن زيد المدينة ومعه بعض أصهار الهجيميين فقالوا لآل عثمان: نجئ لكم بخيار تميم ومشايخ أضاخ يشهدون لكم، فاستعدى آل عثمان الحسن بن زيد على غنى، وسألوه المحاكمة بأضاخ لقربها من بني تميم، وكلم آل عثمان عبد الله بن عمرو بن عبسة العثماني، فاجتمعوا عند أبي مطرف عامل الجيش بأضاخ، وولي الخصومة من غنى الحصين بن ثعلبة أحد بني عمرو الذين امتدحهم ابن عرندس بالأبيات الآتية، فصار كلما جاء العثماني بشاهد من تميم جاءه الغنوي بشاهدين يخرجانه من قيس، فلحق العثماني بأهله، فلم يزل بقي مواتا. وهذه الخصومة في سنة خمسين أو إحدى وخمسين ومائة.
واحتفر عبد الله بن مطيع حفيرة هي في أيدي الضباب على بريد من ضرية على طريق أضاخ للمدينة في ناحية شعبي، وكان الكنديّون يسقون، وماؤهم يسمى الثريا، ومنهم العباس بن يزيد الذي هجاه جرير بقوله:
أعبدا حلّ في شعبي غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا
إذا حلّ الحجيج على قنيع ... يبيت الليل يسترق العتابا
وقنيع: ماء للعباس الكندي على ظهر محجّة أهل البصرة في داره من دارات الحمى يقال لها دارة عسعس، فلما أجلى الكنديون عن قنيع تنازعت بنو أبي بكر بن كلاب وبنو جعفر، فقالت أبو بكر: نحن أحق بماء حلفائنا، وقال الجعفريون: هو عند بيوتنا فنحن