قلت: وذلك لأن ثنية الوداع ليست من جهة طريق مكة، على أني أقول: إن ذلك لا يمنع من كونه في الهجرة عند القدوم من قباء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ركب ناقته، وأرخى لها زمامها، وقال: دعوها فإنها مأمورة، ومر بدور الأنصار كما سبق، حتى مر ببني ساعدة، ودارهم في شاميّ المدينة قرب ثنية الوداع، فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية حتى أتى منزله بها، وقد عرج النبي صلى الله عليه وسلم في رجوعه من بدر إلى ثنية الوداع؛ لما في مغازي ابن عقبة أنه صلى الله عليه وسلم سلك حين خرج إلى بدر حتى ثقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع.
وذكر البيهقي في الدلائل في القدوم من غزوة تبوك الخبر في قول النساء والصبيان والولائد طلع البدر علينا إلى آخره، ثم قال: وهذا يذكره علماؤها عند مقدمه المدينة من مكة، وقد ذكرناه عنده، إلا أنه إنما قدم المدينة من ثنية الوداع عند مقدمه من تبوك، انتهى. وقد تقدم ما يوضح ذلك.
وقال عياض: ثنية الوداع موضع بالمدينة على طريق مكة، سمي بذلك لأن الخارج منها يودعه مشيعه، وقيل: لوداع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين المقيمين بالمدينة في بعض خرجاته، وقيل: ودّع فيها بعض أمراء سراياه، وقيل: الوداع واد بمكة كذا قاله المظفر في كتابه، وحكى أن إماء أهل مكة قلنه في رجزهم عند لقاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، خلاف ما قاله غيره من أن نساء أهل المدينة قلنه عند دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة والأول أصح؛ لذكر الأنصار ذلك مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فدل على أنه اسم قديم لها، اه.
وقال الحافظ ابن حجر في خبر السائب بن يزيد المتقدم: إن الداودي أنكره، وتبعه ابن القيم، وقال: ثنية الوداع من جهة مكة، لا من جهة تبوك، بل هي في مقابلها كالمشرق من المغرب، إلا أن يكون هناك ثنية أخرى في تلك الجهة، قال ابن حجر عقبه:
ولا يمنع كونها من جهة مكة أن يكون الخارج إلى جهة الشام من جهتها.
ثم ذكر رواية الخليعات في قول النسوة، وقال: قيل كان ذلك عند قدوم الهجرة، وقيل: عند القدوم من غزوة تبوك، اه.
ومراد الداودي حيث وصف الثنية بما ذكره أنها موضع لا يسلكها الخارج إلى جهة الشام، فكيف يجاب بهذا؟ وسيأتي في المدرج أنه الثنية المشرفة على العقيق والمدينة، وأنها ثنية الوداع عند من ذهب إلى أنها من جهة مكة، فهي كما قال الداودي وقد تبعه المجد فصرح به في ترجمة المدرج، وقال هنا: هي ثنية مشرفة على المدينة، يطؤها من يريد مكة، وقيل: من يريد الشام، واختلف في تسميتها بذلك فقيل: لأنها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة، وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع بعض من خلفه بالمدينة في آخر