وكان أول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ حر، فقال: يا رسول الله، إنا كنا بفارس إذا حصرنا خندقنا علينا، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى أحكموه، وكان أحد جانبي المدينة عورة، وسائر جوانبها مشككة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدوّ منها، انتهى.
فهذا الجانب هو الذي تقدم بيانه، والمراد بجعل ظهورهم إلى سلع من جهة الشام والمغرب، وما ذكره المطري في مضرب القبة مردود كما بيناه في مسجد ذباب، وكأنه ظن لحصره الخندق فيما ذكره أن موضع مسجد الفتح هو المسمى بذباب؛ لأن الوارد أنه صلى الله عليه وسلم ضرب قبته على ذباب.
وفي تفسير الثعلبي عن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا، واستعاروا من بني قريظة مثل المعاول والفؤوس وغير ذلك، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ترغيبا للمسلمين، وربما كان يحفر حتى يعيا ثم يجلس حتى يستريح، وجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله نحن نكفيك، فيقول:
أريد مشاركتكم في الأجر، وذكر ما تقدم في الاحتجاج في سلمان، ثم قال: وكنت، أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني في ستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذوباب فأخرج الله من بطن الخندق صخرة مرو كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان أرق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيها بأمر فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال له ذلك، فهبط مع سلمان الخندق فأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها يعني المدينة- حتى لكأنّ مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، ثم ضربها الثانية، وذكر مثل ما تقدم، ثم ضربها الثالثة فكسرها، وبرق منها برق، وذكر مثل ما تقدم، قال: فأخذ بيد سلمان ورقى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال: أرأيتم ما يقول سلمان؟
فقالوا: نعم يا رسول الله، قال: ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومداين كسرى كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها،