للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فِي ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ قَالَ فِيهِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ وَهْمٌ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ خِلَافَ ذَلِكَ، إنَّمَا وَقَعَ الْوَهْمُ فِي التَّأْوِيلِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا وَابْنُ طَاوُسٍ إمَامٌ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُشِيرُونَ إلَيْهِ هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ» وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوقِعُونَ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَدَلَ إيقَاعِ النَّاسِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ أَحْدَثُوا فِي الطَّلَاقِ اسْتِعْجَالَ أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ كَانَ حَالُهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَهُ، مَا عَابَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِمَنْ أَوْقَعَهَا مُجْتَمِعَةً، فَإِنْ كَانَ هَذَا مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ طَاوُسٍ فَهُوَ الَّذِي قُلْنَاهُ، إنْ حُمِلَ حَدِيثُ ابْنِ طَاوُسٍ عَلَى مَا يَتَأَوَّلُ فِيهِ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ، فَقَدْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَانْعَقَدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ أَوْقَعَهُ مَنْ يَمْلِكُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ؛ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَوْقَعَهُ مُفَرَّقًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسُنَّةُ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إنْ أَرَادَ إمْضَاءَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْقُرْءِ الثَّانِي طَلْقَةً وَفِي الْقُرْءِ الثَّالِثِ طَلْقَةً، فَإِنَّ الطَّلْقَتَيْنِ الْمُتَأَخِّرَتَيْنِ لَيْسَتَا لِلسُّنَّةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَرْتَجِعْهَا فِي خِلَالِ ذَلِكَ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَانِيَةً فَلَا يَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ لِمَا يُرِيدُ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ.

فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] ، وَهَذَا يَقْتَضِي إيقَاعَ طَلَاقٍ يُعْتَدُّ بِهِ، وَالطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ لَا عِدَّةَ لَهَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْأَمْرُ بِصِفَةِ الطَّلَاقِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا لَا يُوجِبُ عِدَّةً فَلَا يَكُونُ لِلسُّنَّةِ؛ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا طَلَّقَ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ، وَالثَّالِثَةَ لَيْسَتْ لِلسُّنَّةِ لَمَّا لَمْ تُوجِبْ عِدَّةً إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: طَلْقَةٌ فِي كُلِّ طُهْرٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ طَلْقَتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ أَشَدُّ مِنْ الْآخَرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا اعْتِبَارُ السُّنَّةِ مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ فَأَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا الْحَامِلَ الَّتِي تَجْرِي حَيْضَتُهَا عَلَى الْمُعْتَادِ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَلَا عَقِيبَ حَيْضَةٍ طَلَّقَ فِيهَا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلُقَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ يُرِيدُ أَنَّ الثَّلَاثَ تَعَلَّقْت بِهَا دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهَا، إذَا طَلُقَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَكَانَ لِلثَّلَاثِ تَعَلُّقٌ بِهَا وَتَأْثِيرٌ فِي نِكَاحِهَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَنَفَذَ مَا كَانَ لَهُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَبِذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا يُرِيدُ أَنَّهُ أَتَى بِهَا تَلَاعُبًا وَاسْتِهْزَاءً وَمُخَالَفَةً لِمَا أَتَتْ بِهِ آيَاتُ اللَّهِ مِنْ أَنَّ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] ، وَهِيَ الثَّالِثَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ قَتَادَةُ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ إنَّ الثَّالِثَةَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] فَإِذَا كَانَ الْبَارِئُ تَعَالَى قَدْ نَصَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثٌ ثُمَّ طَلَّقَ رَجُلٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَقَصَدَ الِاسْتِهْزَاءَ، وَالتَّلَاعُبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>