للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانَ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَاذَا قِيلَ لَك قَالَ قِيلَ لِي: إنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنِّي فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَدَقُوا مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا جَعَلْنَا لَبْسَهُ بِهِ لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْبَتَّةُ

ــ

[المنتقى]

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاذَا قِيلَ لِلسَّائِلِ عَنْ طَلَاقِهِ ثَمَانِيًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِيَرَى أَقْوَالَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَيَعْلَمَ اتِّفَاقَهُمْ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ لِلْمُفْتِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ إلَى أَمْرٍ أَغْفَلَهُ، وَإِنْ وَجَدَ الْعُلَمَاءَ قَدْ خَالَفُوا مَا ظَهَرَ إلَيْهِ حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى إعَادَةِ النَّظَرِ، وَالزِّيَادَةِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَالتَّثَبُّتِ، وَإِنْ رَأَى الْفُقَهَاءَ قَدْ وَافَقُوا رَأْيَهُ قَوِيَ فِي نَفْسِهِ وَظَهَرَ إلَيْهِ وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَعَانَهُ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَ الْمُوَافَقَةَ وَالتَّصْحِيحَ لِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ مَسْعُودٍ صَدَقُوا فَأَظْهَرَ تَصْدِيقَهُمْ وَمُوَافَقَتَهُمْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ لَهُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ يُرِيدُ أَنَّ سُنَنَ الطَّلَاقِ بَيِّنَةٌ قَدْ بَيَّنَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ لَا يَحْتَاجُ الْعَامِلُ بِهَا وَلَا الْمُفْتِي فِيهَا إلَى بَحْثٍ وَلَا نَظَرٍ وَلَا اجْتِهَادٍ فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي طَلَاقِهِ وَأَوْقَعَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَهُوَ بَيِّنٌ وَاضِحٌ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بَانَ لَهُ مِنْ نَصِّهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْرَأُ أَوْ لَا يَفْهَمُهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ وَاضِحٍ بَيِّنٍ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَلَا النَّقْصَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبَّسْنَا عَلَيْهِ أَيْ جَعَلْنَا لَبْسَهُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ تَعَدَّى الْوَاضِحَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ فَقَدْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ وَدَخَلَ فِي أَمْرٍ مُلْتَبِسٍ مُشْتَبِهٍ يَحْتَاجُ الْمُفْتِي فِيهِ إلَى الْبَحْثِ، وَالِاجْتِهَادِ وَلَا يَتَّضِحُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ كَوُضُوحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَيَجْعَلُ لَبْسَهُ بِهِ وَيُغْلِظُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَتَى تَرَدَّدَتْ الْأَدِلَّةُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ، وَالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَكُنْ وَجْهُ الْحُكْمِ بَيِّنًا غَلَبَ التَّحْرِيمُ، وَالْمَنْعُ.

وَالثَّانِي أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبَاحَ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي التَّحْقِيقَ فَمَنْ خَالَفَهُ إلَى الطَّلَاقِ الْمَمْنُوعِ الْمُحَرَّمِ اقْتَضَى التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ، وَالتَّغْلِيظُ فِي الطَّلَاقِ مَعْنَاهُ الْإِلْزَامُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ، هُوَ كَمَا يَقُولُونَ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ عَلَى غَيْرِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَتَحَمَّلُ لَهُ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَلَا يُوقِعُ هَذَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي: إنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى يُفَرِّقَهَا؛ لِأَنَّ جَمْعَ الطَّلَاقِ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي ظَاهِرُ الْقُرْآنِ تَفْرِيقَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] فَمَنْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ جَعَلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ أُلْزِمَ الثَّلَاثَ.

وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ قَالَ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَلَا {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١] حَتَّى بَلَغَ {يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] إنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَا أَجِدُ لَك مَخْرَجًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ طَالِقٌ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا فَقَالَ: يَدُك طَالِقٌ أَوْ شَعْرُك طَالِقٌ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَعْضَاءٍ: الرَّأْسُ، وَالْوَجْهُ، وَالرَّقَبَةُ، وَالظَّهْرُ، وَالْفَرْجُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ جُزْءٌ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَوَجَبَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَوْقَعَهُ عَلَى أَحَدِ الْأَعْضَاءِ الْخَمْسَةِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَأَيُّ عُضْوٍ عُلِّقَ بِهِ الطَّلَاقُ لَزِمَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الشَّعْرِ، وَالْكَلَامِ فَقَالَ سَحْنُونٌ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ بِالشَّعْرِ غَيْرُ لَازِمٍ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ سُعَالُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ قَالَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَازِمٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا لَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الِالْتِذَاذُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْتَاعِ فَأَشْبَهَ الْوَجْهَ، وَالْيَدَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>