للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إيلَاءً، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إيلَاءً) .

ــ

[المنتقى]

وَكَذَا وَطْأَةً رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ مُولٍ وَأَجَلُهُ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِوَطْئِهِ وَاحِدَةً مِنْهَا.

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهُ لَا يَكُونُ إيلَاءً هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِيلَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ مِنْ تَوْقِيفِ الزَّوْجِ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْإِيلَاءِ يَقَعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ حَلِفٌ، وَالْحَلِفُ هُوَ إيلَاءٌ بِكُلِّ حَالِفٍ مُولٍ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى الَّذِي يَلْزَمُهُ التَّوْقِيفُ هُوَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الْإِيلَاءُ الشَّرْعِيُّ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ مُولٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِرَضَاعِ الْوَلَدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ الشَّرْعِيَّ تُعْتَبَرُ فِيهِ مَعَانٍ قَرَّرَهَا الشَّرْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ إنَّمَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ مَنَعَ مِنْ إمْسَاكِ النِّسَاءِ عَلَى وَجْهِ الْإِضْرَارِ بِهِنَّ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] وَيُعْرَفُ ذَلِكَ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَجْهُ مَنْفَعَةٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ، وَالْحَالِفُ لَا يَطَأُ حَتَّى يَفْطِمَ وَلَدَهُ؛ لِأَنَّ لِوَلَدِهِ مَنْفَعَةً فِي تَرْكِ وَطْءِ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْت أَنَّ فَارِسَ، وَالرُّومَ تَفْعَلُهُ» وَالْغِيلَةُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ تُرْضِعُ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ قَدْ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يُخَافُ ضَرَرُهُ، وَإِنَّمَا تَرَكَ النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ مِنْ التَّوْكِيدِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ تُرْضِعُهُ، لَوْ كَانَتْ لَا تُرْضِعُهُ، وَإِنَّمَا يُرْضِعُهُ غَيْرُهَا لَكَانَ عِنْدِي حُكْمُهَا حُكْمَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهَا، فَإِذَا كَانَ لِتَرْكِهِ الْوَطْءَ وَجْهُ مَنْفَعَةٍ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَضَارِّ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ وَطْئِهَا مَرَضٌ أَوْ سِجْنٌ أَوْ مَانِعٌ يُعْلَمُ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَانِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا سَنَتَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِذَلِكَ كَمَالَ الرَّضَاعِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَوْقِيفٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ يَمِينُهُ بِالضَّرَرِ إنْ مَاتَ ابْنُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَتَيْنِ أَوْ فُطِمَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ حَتَّى يَفْطِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ يَمِينُهُ بِالضَّرَرِ عَلَى وَجْهٍ، وَأَمَّا مَنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ بِيَمِينِهِ فَلَزِمَهُ التَّوْقِيفُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَوِزَانُ مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَطَأَ مَا دَامَ مَرِيضًا فَهَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ تَوْقِيفٌ كَمَا أَنَّ وَالِدَ الرَّضِيعِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ أَكْثَرَ مِنْ عَامَيْنِ لِعِلْمِ إضْرَارِهِ بِيَمِينِهِ وَلَزِمَهُ التَّوْقِيفُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ وَتَكُونُ فَيْئَتُهُ بِالْقَوْلِ عِنْدَ التَّوْقِيفِ يُصَدِّقُ ذَلِكَ فَيْئَتُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الرَّضَاعِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ ابْنُهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ السَّنَتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ مَاتَ ابْنُهُ، فَإِذَا انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وُقِفَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ يَمِينَهُ تَنَاوَلَتْ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجَةِ فَاعْتَدَّ بِمُدَّةِ التَّرَبُّصِ لَهُ مِنْ يَوْمِ لَمْ يَبْقَ لِيَمِينِهِ وَجْهٌ غَيْرُ الضَّرَرِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَكَانَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ مِنْ يَوْمِ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِالضَّرَرِ وَكَانَ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْوَطْءِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ وَطْءَ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُولِي وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتْرُكُ، وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حَتَّى يَطَأَ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ يَمِينٍ وَلَا غَيْرِهَا فَلَمْ يُضْرَبْ لَهُ أَجَلُ تَرَبُّصٍ، وَالْمُولِي يَمْنَعُهُ الْيَمِينُ الَّتِي تَلْزَمُهُ فَضَرَبَ لَهُ أَجَلُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَرَى وَيَتَسَبَّبَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>