للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا)

ــ

[المنتقى]

وَإِنَّمَا دَفَعَتْهُ إلَيْهِ لِتَتَخَلَّصَ بِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِهِ وَظُلْمِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى تَرْكِ الظُّلْمِ، وَالتَّعَدِّي عِوَضًا فَعَلَى هَذَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا وَيُسْقِطُ عَنْهَا مَا الْتَزَمَتْهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَأُجْرَةِ رَضَاعٍ قَالَهُ مَالِكٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: ١٩] ، وَالْفَاحِشَةُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَذَى، وَالْبَذَاءُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَفْحَشَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ إذَا بَالَغَ فِي السَّبِّ قَالَ ابْنُ بُكَيْر مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَاحِشَةُ النُّشُوزُ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر: إذَا نُعِتَتْ الْفَاحِشَةُ بِمُبَيِّنَةٍ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْبَذَاءِ بِاللِّسَانِ، وَإِذَا لَمْ تُنْعَتْ وَأُطْلِقَتْ فَهِيَ الزِّنَى وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْفَاحِشَةُ بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ فَهِيَ الزِّنَى، وَاللِّوَاطُ قَالَ الْحَسَنُ مَعْنَى ذَلِكَ سُمِحَ لِلْأَزْوَاجِ فِي الْمُضَارَّةِ بِهِنَّ إذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ حَتَّى يَفْتَدِينَ بِبَعْضِ مَا أَعْطَوْهُنَّ وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي النُّشُوزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا أَنَّهُ أَضَرَّ بِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ.

١ -

وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَامَتْ بَعْدَ الْخُلْعِ بَيِّنَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى السَّمَاعِ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ بِذَلِكَ قَالَ: وَهَلْ يَشْهَدُ هَؤُلَاءِ عَلَى السَّمَاعِ يَسْمَعُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ الْجِيرَانِ وَيَكُونُ فَاشِيًا، وَالشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنْ الْإِضْرَارِ بِهَا مُتَوَاتِرًا حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ لِلشُّهُودِ يَشْهَدُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِمْ كَمَا يَشْهَدُ فِي الْمَوْتِ عَلَى عِلْمِهِ مَنْ لَمْ يُعَايِنْ الْمَيِّتَ عَلَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِذَلِكَ وَكَمَا يَشْهَدُ فِي النَّسَبِ وَعِدَّةِ الْوَلَدِ، وَالْوِرَاثَةِ عَلَى عِلْمِهِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ مَا قَالَهُ أَصْبَغُ: إنَّهُ إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الْبَتَاتِ صَحَّتْ شَهَادَتُهُ وَيَحْلِفُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ وَيَرُدُّ إلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَيُمْضِي الْفِرَاقَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ يَمِينَهَا عَلَى مَالٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِيِّ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يُقْبَلُ فِي مِثْلِ هَذَا أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ لَا يُقْبَلُ فِيهَا شَاهِدٌ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لَمَّا سَأَلَهُ أَصْبَغُ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الْبَتِّ كَيْفَ يَعْرِفُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ: يَقُولُ سَمِعْت وَاسْتَبَانَ لِي قَالَ عِيسَى بِهِ فَانْظُرْ فِيهِ فَتُوقَفُ لِدِينِهِ وَفَضْلِهِ فِيمَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ، وَأَنْفَذَهُ أَصْبَغُ مِنْ رَأْيِهِ لَمَّا تَحَقَّقَهُ ثُمَّ اسْتَصْوَبَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِهِ مَعَ يَمِينِ الزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ يَمِينَهَا عَلَى مَالٍ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ الْمُوَثِّقِينَ خَلَطُوا الْوَجْهَيْنِ فِي عُقُودِهِمْ فَغَيَّرُوا مَعْنَاهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ وَأَخَذَ مِنْهَا حَمِيلًا بِمَا لَحِقَهُ مِنْ دَرْكٍ فَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ أَنَّهَا إنْ أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ لَمْ تَسْقُطْ التَّبَعَةُ عَنْ الْحَمِيلِ فِيمَا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْحَمِيلُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الصَّقَلِّيِّينَ إلَى هَذَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ ثَبَتَ إضْرَارُ الزَّوْجِ بِهَا، وَالْتَزَمَ هُوَ تَصْدِيقَهَا فِي ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ تَشَكَّتْ امْرَأَتُهُ ضَرَرَهُ فَأَشْهَدَ لَهَا إنْ عَادَ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فِي ذَلِكَ وَأَمْرُهَا بِيَدِهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا أَلْبَتَّةَ فَأَشْهَدَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ أَنَّ زَوْجَهَا عَادَ إلَى أَذَاهَا، وَأَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أَنْ يَكُونَ أَذَاهَا ثُمَّ قَدِمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا كَذَبَتْ فِيمَا شَكَتْ مِنْ الْأَذَى وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا قَالَ: قَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَلَزِمَهُ مَا قَضَتْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا مُصَدَّقَةً وَقَالَ مِثْلَهُ أَشْهَبُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَصْدَقَهَا وَأَقَلَّ وَمِثْلَ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْجِنْسِ، وَالْقَدْرِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ فِي إرْسَالِ مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ فَلَمْ يَكُنْ عِوَضُهَا مُقَدَّرًا كَالْكِتَابَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى دَارٍ، أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ وَكَانَ قَدْ أَصْدَقَهَا مِائَةَ دِينَارٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>