للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

أَنَّهُ لَمَّا كَانَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَتَفَاوَتُ مَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَمْ يَخْتَصَّ اللَّفْظُ بِالْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى الْغَرَرِ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ كَالتَّبَرِّي مِنْ حَمْلٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ فِي الْمُرْتَفِعَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْإِبَاقِ وَدَاءِ الْفَرْجِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

، وَإِنْ تَبَرَّأَ إلَيْهِ بِعُيُوبٍ لَيْسَتْ بِهِ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ وَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِمَّا سَمَّى لَهُ وَلَمْ يُرِهِ إيَّاهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَة وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ التَّلْفِيقَ وَاللَّغْزَ بِذِكْرِهِ مَا لَيْسَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ، وَالْمُبْتَاعُ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ اعْتَقَدَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ لَهُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ عَيْبٍ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عَلِمَهُ الْبَائِعُ، وَإِنْ سَمَّاهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ بِالْمَبِيعِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْرَدَ لَهُ عَيْبًا حَتَّى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَبَرَّأَ مِنْ عَوَرٍ وَلَمْ يُرِهِ إيَّاهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَنَّهُ بِالْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ تَشَدُّدٌ فِي الْبَيْعِ وَاسْتِظْهَارٌ فِي التَّحَرُّزِ فَلَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ ابْتَعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَأَتَبَرَّأُ إلَيْك مِنْ عَيْبِ كَذَا وَلَيْسَ بِهِ أَوْ لَا عِلْمَ لِي أَوْ يَقُولُ لَهُ إنْ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبَ كَذَا فَلَا رَدَّ لَك بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بَرَاءَةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى تَحَقُّقِ وُجُودِهِ بِالْمَبِيعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا تَبَرَّأَ بِالْعَيْبِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَإِنْ جَاءَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعُيُوبِ الْخَفِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الظَّاهِرَةِ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ الرِّضَا بِهَا أَوْ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَخْفَى لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ الْقِيَامُ بِهِ مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى السَّلَامَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَبَرِّي الْبَائِعِ بَعْدَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ صِدْقَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدَمِ مِنْهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَيْبِ لِيَرْضَى بِهِ الْمُبْتَاعُ أَوْ يَرُدَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ صِدْقَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ كَالْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا وَضَعَ الْبَائِعُ دِينَارًا مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُيُوبِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ قَالَ أَصْبَغُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ وَيَجُوزُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَك عَلَى الْبَرَاءَةِ جَائِزٌ وَالْبَرَاءَةُ فِيهَا ثَابِتَةٌ، وَهَذَا يُشْبِهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَصْبَغُ وَاحْتَجَّ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إلْحَاقَ هَذَا بِالْعَقْدِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ يَصِحُّ كَمُشْتَرِي مَالِ الْعَبْدِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَمُشْتَرٍ كَيْلًا مِنْ صُبْرَةٍ قَدْ بَاعَهَا جُزَافًا عَلَى مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ مِنْهَا حِينَ الْبَيْعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ يَضَعُ مِنْهُ دِينَارًا لِعُيُوبِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ وَالْجَارِيَةِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ عَيْبًا رَدَّ الْمَبِيعَ كَمَنْ نَكَحَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ تَرَكَ لَهُ دِينَارًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ مُخَالِفٍ لِمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الدَّابَّةِ وَقِيَاسُهُ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَوْ اُشْتُرِطَ فِيهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْطُ وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْعَقْدِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ الْعَامَّةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَرَاءَةَ مِمَّا يَعْلَمُ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُ جُمْلَةً فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ بَرَاءَةً عَامَّةً مِمَّا لَا يَعْلَمُ فَهَلْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ؟ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا مِنْ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا كَالْعَوَرِ أَوْ خَفِيًّا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا الْمُغِيرَةَ فَإِنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثَ، فَإِنْ جَاوَزَ الثُّلُثَ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْبَرَاءَةَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>