. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المنتقى]
وَتَسْلِيمِهِ إلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ بِمُقَاسَمَةِ الثَّمَرَةِ حِينَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا أَوْ جَمْعِهَا وَحِفْظِهَا وَالنَّظَرِ فِيهِ وَكَانَ حُكْمُ خَرْصِهَا وَتَسْلِيمِهَا إلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ لَازِمٌ أَوْجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا فِي أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ بَيْعًا لَمَّا لَمْ يُوقَفْ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ.
وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ مِقْدَارِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثَّمَرَةِ.
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ) فَأَمَّا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ عِنْدَنَا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ مِنْ حَائِطِهِ لِرَجُلٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَرَةَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْرَى مَا يَلْزَمُهَا إلَى وَقْتِ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ وَقْتٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِطْلَاقُ الْهِبَةِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي هَذَا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِنْ يَوْمِ الْهِبَةِ فَفَرْقٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْعَرِيَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَنْ مَالِكٍ إنَّ زَكَاةَ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرِي وَزَكَاةَ الثَّمَرَةِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ وَالسَّقْيِ وَقَالَ أَشْهَبُ: زَكَاةُ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرَى كَالْهِبَةِ إلَّا أَنْ يُعْرِيَهُ إلَى الزَّهْوِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ السَّقْيَ عَلَى الْمُعْرَى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهُمْ فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ وِفَاقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ سَقْيًا يَلْزَمُ الْمُعْرَى لِأَجْلِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى سَقْيِهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ السَّقْيُ وَالزَّكَاةُ فِي الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ عَلَى الْمُعْرَى وَالْوَاهِبِ وَقَالَ سَحْنُونٌ اُنْظُرْ إلَى الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتَا بِيَدِ الْمُعْرِي أَوْ الْوَاهِبِ يَسْقِي ذَلِكَ وَيَقُومُ عَلَيْهِ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُعْرَى أَوْ الْمَوْهُوبِ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ حُكْمُ الْعَرِيَّةِ غَيْرُ حُكْمِ الْهِبَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَهَذَا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْعَرِيَّةُ مِنْ النَّخْلِ الَّتِي تُعَرَّى عَنْ الْمُسَاوَمَةِ عِنْدَ بَيْعِ النَّخْلِ وَالْفِعْلُ: الْإِعْرَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَرَةَ عَامِهَا لِمُحْتَاجٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ قِيلَ إنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّخْلَةِ تُعَرَّى مِنْ ثَمَرَتِهَا بِالْهِبَةِ لِثَمَرَتِهَا فَسُمِّيَتْ عَرِيَّةً لِذَلِكَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْعَرِيَّةُ اسْمٌ لِلنَّخْلَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ مِنْ النَّخْلِ إلَّا لِمَا تُعْطَى ثَمَرَتُهُ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ عَلَى مَعْنَى الرِّفْقِ وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ إنَّ الْعَرَايَا وَاحِدَتُهَا عَرِيَّةٌ وَهِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا مُحْتَاجًا وَالْإِعْرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَتَهَا عَامَهَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرِيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَرَوْت الرَّجُلَ أَعْرَوْهُ إذَا أَتَيْته تَلْتَمِسُ بِرَّهُ وَمَعْرُوفَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦] وَقِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَخَلِّي الْإِنْسَانِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} [الصافات: ١٤٥] يَعْنِي الْمَوْضِعَ الْخَالِيَ.
١ -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْإِعْرَاءُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الثَّمَرَةِ كَانَتْ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ أَوْ مِمَّا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ وَفِي الْقِثَّاءِ وَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْإِزْهَاءِ وَبَعْدَهُ لِعَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ فِي جَمِيعِ الْحَائِطِ وَبَعْضِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا تُبْطِلُهُ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ.
(فَرْعٌ) وَبِمَاذَا تَكُونُ حِيَازَتُهُ وَتَصِحُّ لِلْمُعْرَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ تَكُونُ بِاجْتِمَاعِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَطْلُعَ فِيهَا ثَمَرَةٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهَا فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْرِي فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِلْمُعْرَى وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِوُجُودِ أَحَدِ