للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْأَمْرَيْنِ: الْإِبَارِ أَوْ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حَوْزًا وَإِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ الثَّمَرَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ظُهُورَ الْهِبَةِ هُوَ طُلُوعُ الثَّمَرَةِ فِيهَا فَإِنْ جَازَ حِينَئِذٍ صَحَّتْ حِيَازَتُهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي أَعْطَاهَا قَدْ ظَهَرَتْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فَذَلِكَ مِثْلُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ إلَّا بِالْوَضْعِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْإِبَارِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَالثَّمَرَةُ فِيهِ كَامِنَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْحَمْلَ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهَا فَإِذَا أُبِّرَتْ وَظَهَرَتْ كَانَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ إلَيْهَا حِيَازَةً لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَانْفِرَادُهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيَازَةً حَتَّى يَيْبَسَ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ كَانَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ حِيَازَةً لِمَا وَهَبَ لَهُ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهَا كَالْمُسْتَقْبَلِ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ.

(فَرْعٌ) وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ فِي ثَمَرِ شَجَرٍ مُعَيَّنٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُعْرِيَهُ مِقْدَارًا مِنْ التَّمْرِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، مِثْلُ أَنْ يُعْرِيَهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرِ حَائِطِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْمُعْرَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ هِبَةُ الثَّمَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَبْتَاعَهَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُ أَنَّ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْجَاعَ هِبَتِهِ وَأَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بَيْعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ، وَأَمَّا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَرْخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالتَّمْرِ أَوْ بِالرُّطَبِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ» فَإِنْ قِيلَ: الْعَرِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ إنَّمَا أَرْخَصَ فِي الْعَطِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَهَبُ ثَمَرَ نَخْلِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ يَرْجِعُ فِيهِ وَيُعْطِيهِ عِوَضَهُ تَمْرًا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي ذَلِكَ قَالُوا وَالْعَرِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ مِنْ أَعَارَ الشَّيْءَ وَهُوَ تَمْلِيكُ مَنَافِعِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ إنَّمَا هِيَ النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبُ ثَمَرَتُهَا وَعَلَى ذَلِكَ فَسَّرَهَا جَمَاعَةُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ

لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةً ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ

يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِالْجُودِ وَيَقُولُ إنَّ نَخْلَهُ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ أَيْ لَا يُعَامَلُ عَلَيْهَا سِنِينَ وَهِيَ الْمُسَانَهَةُ وَقَوْلُهُ وَلَا رَجَبِيَّةَ يُرِيدُ لَيْسَتْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَالتَّرْجِيبُ الْبِنَاءُ بِالْحِجَارَةِ حَوْلَ أَصْلِهَا ثُمَّ قَالَ

وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ

يُرِيدُ إذَا نَزَلَتْ الْجَوَائِحُ بِالنَّاسِ وَاشْتَدَّ الزَّمَانُ وَقَلَّتْ الثِّمَارُ وَهَبَهَا حِينَئِذٍ وَجَعَلَ ثَمَرَتَهَا طُعْمَةً، وَلَيْسَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الْإِعَارَةِ بِسَبِيلٍ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ يُقَالُ مِنْهُ أَعَارَهُ يُعِيرُهُ إعَارَةً وَهِيَ الْعَارِيَّةُ وَالْإِعْرَاءُ يُقَالُ مِنْهُ أَعْرَاهُ يُعْرِيهِ إعْرَاءً وَهِيَ الْعَرِيَّةُ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الْإِعْطَاءِ لَمَا جَازَ أَنْ يَنْهَى عَنْ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لَا يُبَاعُ وَإِنَّمَا يُبَاعُ الْمُعْطَى فَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُنْهَى عَنْ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهٍ مَا وَيُبَاحُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ.

وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ» ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى بَعْضَ الْأَوَّلِ فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا سَمَّاهُ بَيْعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] فَالْجَوَابُ إنَّمَا سَمَّاهُ هُنَاكَ بَيْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ الْهِبَةِ فَلَمْ يُسَمَّ بَيْعًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّعَامَ يَفْسُدُ بَيْعُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَالثَّانِي الْجَهْلُ بِتَمَاثُلِ الْجِنْسِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ قَدْ أُرْخِصَ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَكَذَلِكَ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ أَنْ لَا يَبِيعَ الْعَرِيَّةَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ يَجُوزُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحَدُهَا أَنْ تُزْهِيَ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَدْنَى وَالثَّالِثُ أَنْ يُعْطِيَهُ التَّمْرَ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>