للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

يَكُونَ تَفْسِيرًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا مِنْ الرَّاوِي إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاتِّصَالِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ فَهُوَ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذَأ أَمْرٌ طَرِيقُهُ اللُّغَةُ وَابْنُ عُمَرَ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ هَذَا التَّفْسِيرِ فِيهِ فَرَوَى زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ دَلُّوا بِهِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمًّى إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ» وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِيهِ التَّفْسِيرَانِ وَمَا قُلْنَاهُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَأْلِيفِ مَشْهُورِ جَمَاعَةٍ يَبْلُغُونَ التَّوَاتُرَ وَرَوَى التَّفْسِيرَ الَّذِي ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ.

وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعَانِ مَمْنُوعَيْنِ فَإِنَّ اسْمَ الْمُزَابَنَةِ وَاقِعٌ عَلَيْهِمَا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا يُرِيدُ الْعِنَبَ وَسُمِّيَ الْعِنَبُ كَرْمًا وَإِنْ كَانَ الْكَرْمُ شَجَرَ الْعِنَبِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَوْ كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إنَّمَا سُمِّيَ الْكَرْمُ كَرْمًا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ الْمَشْرُوبَةَ مِنْ عِنَبِهِ تَحُثُّ عَلَى السَّخَاءِ وَتَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَكَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَمَّى أَصْلُ الْخَمْرِ بِاسْمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْكَرَمِ وَجَعَلَ الْمُؤْمِنَ أَحَقَّ بِهَذَا الِاسْمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِنَبَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنَافِعُ وَرِزْقٌ وَخِصْبٌ لِمَنْ رُزِقَهُ فَإِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ أَكْثَرُ خَيْرًا وَأَنْفَعُ لِنَفْسِهِ وَلِلنَّاسِ وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى الْكَرْمُ كَرْمًا وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْقُلْهُ النَّاسُ عَنْ النَّهْيِ وَلَا امْتَنَعُوا مِنْ تَسْمِيَةِ شَجَرِ الْعِنَبِ كَرْمًا وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَفْضِيلَ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» فَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا فَإِنَّهُ مُتَأَتٍّ فِيهِ وَبِهِ يُعْتَبَرَانِ جَمِيعًا، وَأَمَّا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَأَتٍّ فِيهِ إلَّا الْوَزْنُ وَلَا يُبَاعُ الْعِنَبُ كَيْلًا بِوَجْهٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْكَيْلِ فِي مَعْرِفَةِ التَّسَاوِي وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى الْوَزْنُ كَيْلًا فَيُقَالُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَيْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِنَبَ جُزَافًا وَالزَّبِيبَ كَيْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَتَحَرَّى فِي الْعِنَبِ مَكِيلَةَ الزَّبِيبِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إجَازَةِ التَّحَرِّي فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَأَجَازَهُ فِي الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَالْخُبْزِ بِالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَفِي الْحَالُومِ الرَّطْبُ بِالْيَابِسِ وَفِي الزَّيْتُونِ الْغَضِّ بِالْمَالِحِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَأَجَازَهُ مَعَ الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهِ فِي الْقَدِيدِ بِاللَّحْمِ الطَّرِيِّ مَرَّةً وَمَنَعَهُ أُخْرَى.

وَرُوِيَ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ قَالَ وَمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ تَحَرِّيًا وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَالْعَسَلُ لَا يَجُوزُ إلَّا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَيَجُوزُ مَعَ تَعَذُّرِ الْمَوَازِينِ وَيُمْنَعُ مَعَ وُجُودِهَا وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ بِكُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ الْمَبِيعُ كَخَرْصِ الْعَرِيَّةِ وَالزَّكَاةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يَجُوزُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمَوْزُونِ دُونَ الْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إلَّا فِي الْأَسْفَارِ وَحَيْثُ تُعْدَمُ الْمَوَازِينُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَوَازِينِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِتَجْوِيزِهِ السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ بِالتَّحَرِّي فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ يُعْدَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>