للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ» ) .

ــ

[المنتقى]

كَمَا يُعْدَمُ الْمِيزَانُ وَالْقَبْضَةُ فَلَيْسَتْ بِمِقْدَارٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْمُسَاوَاةُ لِتَعَذُّرِ بَقَائِهَا عَلَى شَكْلٍ وَاحِدٍ وَهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ الْمُعْتَادِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ التَّحَرِّيَ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ جَائِزٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي يَسِيرِهِ دُونَ كَثِيرِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ يَتَعَذَّرُ فِيهِ التَّحَرِّي وَيُخَافُ فِيهِ الْخَطَأُ وَقِلَّةُ الْإِصَابَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ يَرْضَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا أَنَّهُ لَا يُخَافُ فِيهِ التَّفَاضُلُ الَّذِي فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا.

(فَصْلٌ) :

إذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّحَرِّي فَقَدْ جَوَّزَهُ مَالِكٌ فِي الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ وَالْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَاللَّحْمِ بِاللَّحْمِ أَمَّا الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ فَاَلَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا إنَّهُ يَتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ الدَّقِيقِ دُونَ وَزْنِ الْخُبْزِ قَالُوا؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ بَعْضُهُ أَرْطَبُ مِنْ بَعْضٍ فَلَا تَصِحُّ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ بِالْوَزْنِ وَهَذَا لَا يَكَادُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي اعْتِبَارِهِ بِالرُّطُوبَاتِ الْبَاقِيَةِ فِي حَالِ الِادِّخَارِ وَلِذَلِكَ مَنَعَ التَّمْرَ الْقَدِيمَ بِالْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ الْمَطْعُومُ مَعَ الرُّطُوبَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ غَالِبًا كَالْفُولِ الْمَبْلُولِ وَالْقَمْحِ الْمَبْلُولِ وَالْعَجِينِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسَاوِي وَالثَّانِي أَنْ يُؤْكَلَ بِوُجُودِهَا غَالِبًا كَرُطُوبَةِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْخُبْزِ وَخَلِّ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالْمَخِيضِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسَاوِي طَارِئَةً كَانَتْ أَوْ أَصْلِيَّةً فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ وَزْنًا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَحَرِّي الدَّقِيقِ فَإِنَّهُ قَدْ صَارَ جِنْسًا آخَرَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ كَيْلًا وَلَا يُتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَنِ وَيَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ كَيْلًا وَلَا يُتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ التَّمْرِ وَرُبَّمَا كَانَ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ وَاتَّفَقَ ظُهُورُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْهُمْ فِي أَحَدِهِمَا فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِهِ وَظُهُورُ الْقَوْلِ الثَّانِي فِي فَرْعٍ آخَرَ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ لَهُمْ كَثِيرٌ فَيَجِبُ تَتَبُّعُهُ وَرَدُّ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَصْلِهِ.

وَقَدْ رَوَى فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْكَعْكِ بِالْخُبْزِ مُتَفَاضِلًا مُتَمَاثِلًا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقَدِيدِ بِالنِّيءِ عَلَى التَّحَرِّي ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَدِيدَ النِّيءَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا صَنْعَةٌ تُخْرِجُهُمَا أَوْ تُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ أَصْلِهِ وَالْكَعْكُ وَالْخُبْزُ قَدْ وُجِدَتْ فِيهِمَا صَنْعَةٌ أَخْرَجَتْهُمَا عَنْ أَصْلِهِمَا كَخَلِّ التَّمْرِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى فِيهِ الْمُمَاثَلَةَ وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(ش) : وَقَوْلُهُ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمُزَابَنَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَجْهَلَ قَدْرَ أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ مِنْ الْآخَرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْصِدُ إلَى غَبْنِ صَاحِبِهِ فِي مَبْلَغِ التَّمْرَتَيْنِ وَإِلَى أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَبِيعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَضَرْبٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَأَمَّا مَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ حُكْمِهِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ، وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ يَابِسُهُ بِرُطَبِهِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتَنَجَّزُ فِيهِ وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْض؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ وَلَا يَجُوزُ رُطَبُهُ بِيَابِسِهِ وَلَا رُطَبُهُ بِرُطَبِهِ وَلَا يَابِسُهُ بِيَابِسِهِ جُزَافًا فِيهِمَا وَلَا فِي أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ بِالْكَيْلِ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ فِيهِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ التَّفَاضُلُ فِي أَحَدِهِمَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَبِيعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْعُومًا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>