للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ فَبَاعَ حَكِيمٌ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا تَبِعْ طَعَامًا ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ) .

ــ

[المنتقى]

النَّخْلِ لِمَنْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَجِدَّهَا وَإِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ الْعَمَلُ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ يَنْقُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ وَهَذَا لَمَّا كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُبْتَاعِ لَمْ يُبْطِلْ الْبَيْعَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَائِعِ.

وَقَدْ رَوَى فِي الْمَبْسُوطِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ لِمَنْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوفِهِ حَقَّ تَوْفِيَتِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْمَكِيلِ بَعْدَ الْكَيْلِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَعِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَقْدِيمِ نَقْلِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَقَرَّرَ الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ لِيَخْرُجَ بِتَرْكِهِ وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ فَإِنْ فَاتَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يُرَدَّ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ رَوَى فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِمَنْ اشْتَرَى الطَّعَامَ جُزَافًا أَنْ يَبِيعَهُ بِنَظِرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهُ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَيْنَا إذَا اشْتَرَيْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَا تَبِيعُوهُ مَكَانَهُ الَّذِي اشْتَرَيْتُمُوهُ فِيهِ حَتَّى يَنْقُلَهُ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَالَ مَالِكٌ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالدَّيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ وَلَا يَرَاهُ حَرَامًا وَإِنْ وَقَعَ جَازَ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِيهِ ظَاهِرٌ مُحْتَمَلٌ.

وَفِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ بِإِثْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَاهُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ سُوقِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَلَا يَبِيعُهُ مِمَّنْ يَلْقَاهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ السُّوقَ وَقَوْلُهُمْ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ دُونَ مَا عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذِكْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْوَقَارِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ عَمَلٍ اسْتَحَقُّوهُ لِذَلِكَ فَجَازَ لَهُمْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَرْزَاقِ مِنْ طَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَرْزَاقِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَكَذَلِكَ طَعَامُ الْجَارِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا نَهَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ بِالِابْتِيَاعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَى أَنَّ مَنْ بَاعَهُ مِنْهُ مُعَاوَضَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ لَهُمْ بِهِ عَلَى عَمَلٍ اسْتَحَقُّوهُ بِهِ فَقَبَضُوهُ ثُمَّ ابْتَاعَهُ مِنْهُمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَعَلَى هَذَا ابْتِيَاعُهُ جَائِزٌ مُبَاحٌ وَبَيْعُهُ مَمْنُوعٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ لَهُمْ بِهِ لِعَمَلٍ عَمِلُوهُ فَبَاعُوهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ بَاعَهُ حَكِيمٌ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا ابْتِيَاعُهُ مَمْنُوعٌ وَبَيْعُهُ مَمْنُوعٌ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ مَا كَانَ مِنْ أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ أَوْ الْكُتَّابِ أَوْ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَصْحَابِ السُّوقِ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يُبَاعُ حَتَّى يُقْبَضَ وَمَا كَانَ مِنْ صِلَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ رَدَّ بَيْعَهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَقَبَضَهُ مُبْتَاعُهُ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعَتَانِ مَمْنُوعَتَيْنِ فَقَدْ رَدَّهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْعُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ هُوَ الْمَمْنُوعُ خَاصَّةً رُدَّ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يَغِبْ الْمُبْتَاعُ عَنْ الطَّعَامِ نُقِضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَ مُبْتَاعُ الطَّعَامِ الثَّمَنَ إنْ كَانَ قَضَاهُ وَبَقِيَ الطَّعَامُ لِبَائِعِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ غَابَ عَلَيْهِ لِرَدِّ مِثْلِهِ وَأَخْذِ ثَمَنِهِ وَلَوْ كَانَ مُبْتَاعُهُ قَدْ غَابَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِرَدٍّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ فَيُبْتَاعُ بِهِ مِثْلُ طَعَامِهِ فَإِنْ قَصُرَ عَنْ مِقْدَارِ طَعَامِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْغَائِبَ مِمَّا نَقَصَ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وُقِفَ لِلْغَائِبِ يَأْخُذُهُ إنْ جَاءَ وَإِنْ كَانَ كَفَافًا أَجْزَأَ بَعْضُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>