للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَا أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ فَقَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَمَا ذَلِكَ فَقَالَا هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَرَسَ يَتَتَبَّعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ الطَّعَامَ إلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ وَيَقُولُ لَهُ مِنْ أَيُّهَا تُحِبُّ أَنْ أَبْتَاعَ لَك؟ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَك فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِلْمُبْتَاعِ لَا تَبْتَعْ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَقَالَ لِلْبَائِعِ

ــ

[المنتقى]

مِنْ بَعْضٍ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ الصُّكُوكُ الرِّقَاعُ مَكْتُوبٌ فِيهَا أُعْطِيَاتُ الطَّعَامِ وَغَيْرُهَا مِمَّا تُعْطِيهِ الْأُمَرَاءُ لِلنَّاسِ فَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِعَمَلٍ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِغَيْرِ عَمَلٍ كَالْعَطَاءِ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ.

وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ جَوَازَ بَيْعِ طَعَامِ الْجَارِ وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ عَطَاءٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ صُكُوكِ الْجَارِ وَهِيَ عَطَايَا مِنْ طَعَامٍ إنَّمَا نُهِيَ مُبْتَاعُهَا وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إنَّمَا أَنْكَرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ مَعَهُ بَيْعَ الْمُبْتَاعِ لَهَا وَلَمْ يُنْكِرْ الِابْتِيَاعَ مِمَّنْ خَرَجَتْ لَهُ الصُّكُوكُ لَمَّا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي كَرَاهِيَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَبَعَثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَرَسَ يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَنْ خَرَجَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ نَقْضَ الْبَيْعَتَيْنِ وَلَوْ نُقِضَ الثَّانِي خَاصَّةً لَقَالَ يَرُدُّونَهَا إلَى مَنْ ابْتَاعَهَا مِنْ أَهْلِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَتُحِلُّ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ عَلَى سَبِيلِ الْإِغْلَاظِ مَعَ عِلْمِهِ بِاحْتِمَالِ مِثْلِ هَذَا مِنْهُ لِمَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ وَشَاعَ قَدَّرَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ ذَلِكَ أَوْ قَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْلُغَ فِي مِثْلِ حَالِهِ وَاهْتَبَلَ بِأَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَسَايَرَ وَسَأَلَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُ مَرْوَانَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَصُّلِ وَالتَّبَرِّي مِنْ إحْلَالِ الرِّبَا ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ قَوْلِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الصُّكُوكَ الَّتِي أَنْفَذَهَا لِلنَّاسِ بِالْجَارِ ابْتَاعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَنَصَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى الرِّبَا الَّذِي أَنْكَرَ إحْلَالَهُ وَإِبَاحَتَهُ لِلنَّاسِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعَتَانِ فِي طَعَامٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا اسْتِيفَاءٌ وَمَا يَخْرُجُ فِي الصُّكُوكِ لَا يَكُونُ إلَّا مَكِيلًا مِنْ الطَّعَامِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ يَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا يَقْتَضِي نَقْضَ تِلْكَ الْبِيَاعَاتِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَدُّ إلَى مَنْ خَرَجَتْ الصُّكُوكُ بِاسْمِهِ فَقَدْ نَقَضَ الْبَيْعَتَيْنِ بَيْعُ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ وَبَيْعُ مَنْ اشْتَرَى مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ إلَّا نَقْضُ الْبَيْعِ الثَّانِي عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أَبْتَعْ لَك قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ أَبِيعَهُ مِنْك بِدِينَارَيْنِ.

وَقَدْ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ تَنْقُدُهَا وَهِيَ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ إيجَابًا عَلَى الْآمِرِ فَفَعَلَ فَهَذَا زِيَادَةٌ فِي السِّلْعَةِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَتْ الْآمِرَ بِعَشْرَةٍ وَسَقَطَ مَا زَادَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ وَقَعَ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الْآمِرَ بِعَشْرَةٍ فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ عَشْرَةً مُعَجَّلَةً وَيُعْطِيَهُ جُعْلَ مِثْلِهِ إنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الثَّانِي فَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ يَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا إلَى مَنْ خَرَجَتْ بِاسْمِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَهْلِهَا مُسْتَحِقَّ رُجُوعِهَا إلَيْهِ فَتُرَدُّ حِينَئِذٍ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إلَى مَنْ ابْتَاعَهَا أَوَّلًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>