للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيلَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي يُعْطَى النَّاسُ بِالْجَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ الطَّعَامَ الْمَضْمُونَ عَلَيَّ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ أَتُرِيدُ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي ابْتَعْتَ فَقَالَ نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ)

ــ

[المنتقى]

هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقْضُ شَرْطِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالسَّلَمِ إذَا عَرَا عَنْ الْوَصْفِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لِلْمُبْتَاعِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَصْدِيقِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْبَائِعِ فَقَالَ لَهُ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ لَهُ وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ مَا اعْتَقَدَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ فِيهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِفَسْخٍ وَلَا رَدٍّ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُمَا بَيْعٌ لَأَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِرَدِّهِ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَتْبَعَهُ النَّهْيُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

وَقَدْ رَوَى عِيسَى فِي الْمُزَنِيَّة سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْعِينَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْعِينَةِ الْجَائِزَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِينَةُ الْمَكْرُوهَةُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلَ لِيَبْتَاعَ مِنْهُ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا أَوْ مَتَاعًا إلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ لَيْسَ عِنْدِي وَلَكِنْ أَرْبِحْنِي كَذَا وَكَذَا وَأَشْتَرِيهِ لَك فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الرِّبْحِ اشْتَرَى ذَلِكَ فَهَذِهِ الْعِينَةُ الْمَكْرُوهَةُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَهَبًا بِأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ قَالَ لَهُ مَا عِنْدِي ثَمَّ ذَهَبٌ فَاشْتَرَى مِثْلَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعِ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ عِنْدِي مَا تُحِبُّ فَتَعَالَ أَبِيعُك قَالَ مَالِكٌ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُوَاعَدَةٌ أَوْ عَادَةٌ يَعْرِضُ لَهُ بِهَا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ ارْجِعْ إلَيَّ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا يَبْتَاعُهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ وَلَمْ يَتَرَاوَضَا عَلَى رِبْحٍ فَلَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَايَعَهُ عَلَى رِبْحٍ رَضِيَاهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ كَلَامِهِمَا لَكَانَ مَكْرُوهًا قَالَ وَلَا أَفْسَخُ بَيْعَ هَذَا وَلَا الَّذِي يَقُولُ ارْجِعْ إلَيَّ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إذَا قَالَ لَهُ تَعَالَ أَشْتَرِيهِ لَك وَتُرْبِحُنِي كَذَا وَيَتَّفِقَانِ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ وَقَعَ رُدَّ.

وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى رِبْحٍ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ ارْجِعْ إلَيَّ أَوْ يَقُولُ لَهُ سَأَفْعَلُ وَلَا يُوَافِقُهُ عَلَى رِبْحٍ مُقَدَّرٍ فَهَذَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُضَارَعَةِ الْحَرَامِ وَمُشَابَهَتِهِ وَخَوْفِ الْمُوَاعَدَةِ أَوْ الْعَادَةِ فِيهِ فَهَذَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءً وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى فِي الظَّاهِرِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عَقْدًا يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا لَمَّا لَمْ يُقَرِّرَا رِبْحًا وَالثَّالِثَةُ لَا يُرَاجِعُهُ بِشَيْءٍ يُطْعِمُهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَهَذَا مُبَاحٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً عَرَفَ نَفَاقَهَا وَرَجَا حِرْصَ النَّاسِ عَلَى شِرَائِهَا.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة: إنَّ الْعِينَةَ الْجَائِزَةَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْمَتَاعَ وَالْحَيَوَانَ وَالدَّوَابَّ وَالْعُرُوضَ وَيَعُدَّهَا لِمَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ وَلَا يُوَاعِدُ فِي ذَلِكَ أَحَدًا بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُعِدُّهَا لِكُلِّ مَنْ جَاءَ يَطْلُبُ الِابْتِيَاعَ مِنْهُ بِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ فَهَذِهِ عِينَةٌ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهَا.

(ش) : قَوْلُ جَمِيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي يُعْطَى النَّاسُ بِالْجَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَبْتَاعُهَا مِنْ أَرْبَابِهَا الَّذِينَ خَرَجَتْ لَهُمْ الصُّكُوكُ بِهَا إمَّا عَلَى صِفَةٍ يَصِفُونَهَا أَوْ عَلَى عَادَةٍ عَرَفُوهَا مِنْ طَعَامِ الصُّكُوكِ تَقُومُ مَقَامَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ فَقَدْ يَكُونُ الطَّعَامُ الْكَثِيرُ الْمَجْلُوبُ مِنْ بَلَدٍ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ فَتَتَّفِقُ أَجْزَاؤُهُ وَتَتَقَارَبُ فَيَنْقُلُ مِنْهُ الْأَجْزَاءَ وَالْأَحْمَالَ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ جِنْسُهُ إلَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ مِنْ الْبِلَادِ كَالْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ مِنْ الْجَارِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَكَانَ جَمِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَشْتَرِيهَا مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

ثُمَّ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّاسِ سَلَمًا فِي طَعَامٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يُوَفِّيَهُمْ مِنْهُ وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ ذَلِكَ الطَّعَامُ يَأْخُذُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ سَنَةً عِنْدَ الْأَجَلِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيلَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>