للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَتَجْوِيزَهُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

فَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ اعْتِبَارَ صِفَاتِ الْمِثْلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَعَلَى جَمِيعِ أَوْصَافِهِ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ لَا يَكَادُ أَنْ يُوجَدَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَإِذَا بَعُدَ هَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهُوَ فِي الثِّيَابِ أَبْعَدُ وَهُوَ فِي الْحَيَوَانِ أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الثِّيَابِ وَوَجْهُ إبَاحَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ وَصْفُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِأَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فَإِذَا أَرَادَهُ مَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ مُمَاثَلَتِهِ تِلْكَ الصِّفَاتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِخْلَالُ فِي السَّلَمِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ ذِكْرُهَا فِي السَّلَمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا عَلَى السَّلَامَةِ مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَصِفَهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي ثَمَنِهِ وَلَا يُوجِبُ رَغْبَةً فِيهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَا لَمْ يُضْبَطْ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَأَنْ يَخْتَلِفَ فِيمَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُقْرَضَ وَيُسَلَّمَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا وَلَا سَلَمًا وَلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنْ تَدُلَّ عَلَى نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ وَالثَّالِثُ أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْقَرْضِ وَالسَّلَمِ فِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلُ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْت لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مَهْرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا سَلَمًا وَقَرْضًا كَالثِّيَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا» كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُضْبَطَ بِالصِّفَةِ كَالثِّيَابِ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَنَّ الْحَيَوَانَ مَعْنًى يَكُونُ بَدَلًا عَنْ سَلَفٍ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ كَالطَّعَامِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَقُولَ فَارِهًا وَإِنَّمَا يَصِفُهُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا فَإِذَا أَتَاهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ فَيُذْكَرُ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ لَحْمُ ضَأْنٍ أَوْ مَاعِزٍ وَيُوصَفُ بِالسَّمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاخْتِلَافِ الْأَسْنَانِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَنِ لَزِمَ ذِكْرُهُ.

(فَرْعٌ) وَهَلْ يَذْكُرُ مَوْضِعَ اللَّحْمِ مِنْ الْحَيَوَانِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ بِمَوَاضِعَ مِنْ الشَّاةِ مِنْ صَدْرٍ أَوْ فَخِذٍ أَوْ جَنْبِهِ ذَكَرَهُ.

فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ امْتِزَاجِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ دُونَ تَفْصِيلٍ وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ النَّاسِ مَكَانًا مِنْهُ عَلَى مَكَان فَعَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطَابَةِ لَهُ وَغَيْرُهُ يَخْتَارُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا يَخْتَارُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ آحَادَ أَعْيَانِهِ مَعَ تَسَاوِيهِ فِي الصِّفَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ الْأَغْرَاضُ فِيهِ لَزِمَ بَيَانُهُ كَالْجِنْسِ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا السَّمَانَةُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبِ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ سَمِينًا فَإِنْ ذَكَرَ وَسَطًا مِنْ السَّمَانَةِ فَحَسَنٌ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ أَنْ يَقُولَ سَمِينًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَكُونُ لَهُ السِّمَنُ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ مِمَّا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ وَالثَّمَنُ فِي اللَّحْمِ بِاخْتِلَافِهِ حَتَّى أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ السِّمَنِ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَضْعَافُ مَا لِلْكَثِيرِ مِنْ الْمَهْزُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهِ بِالصِّفَةِ فَيَصِفُ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ فَإِذَا مَيَّزَهُ بِهَذَا الِاسْمِ أَجْزَأَهُ عَنْ أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَ السَّمَانَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

<<  <  ج: ص:  >  >>