للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مَحْمُولَةً بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَّفَ فِي صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ خَيْرًا مِمَّا أَسْلَفَ فِيهِ أَوْ أَدْنَى بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ شَعِيرًا أَوْ شَامِيَّةً وَإِنْ سَلَّفَ فِي تَمْرِ عَجْوَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ صَيْحَانِيًّا أَوْ جَمْعًا وَإِنْ سَلَّفَ فِي زَبِيبٍ أَحْمَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْوَدَ إذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ إذَا كَانَتْ مَكِيلَةُ ذَلِكَ سَوَاءً بِمِثْلِ كَيْلِ مَا سَلَّفَ فِيهِ)

ــ

[المنتقى]

عُقِدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ أَوْ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِقَالَةِ أَنْ يُقِيلَهُ مِمَّا نَدِمَ فِيهِ وَيُعِيدَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ مَا أَوْجَبَ النَّدَمَ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَلَّا بِنَقْضِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ نَقْضُ بَيْعٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ بِصَرِيحِ الْإِقَالَةِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ مِثْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ الْمُسَلَّمِ فَيَقُولُ اشْتَرِ بِهَا طَعَامًا فَكُلْهُ لِي حِينَ الْأَجَلِ ثُمَّ اسْتَوْفِهِ فِي حَقِّك فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَصْلُحُ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ عِنْدَ الْأَجَلِ مِثْلَ دَنَانِيرِهِ فَقَالَ اشْتَرِ بِهَا طَعَامَك أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الدَّنَانِيرَ فَقَالَ اشْتَرِ بِهَا طَعَامًا فَاكْتَلْهُ لِي ثُمَّ اسْتَوْفِهِ مِمَّا لَك لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهَا طَعَامَك جَازَ ذَلِكَ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ إذَا قَالَ اكْتَلْهُ لِي لَمْ يُمَلِّكْهُ الثَّمَنَ وَلَمْ تَجُزْ مِنْهُ إقَالَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي عُجِّلَ فِي السَّلَمِ يُؤَجَّلُ فِي الْإِقَالَةِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَجَلَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ يَطْلُبُ الِارْتِفَاقَ بِهِ إلَى حُلُولِ السَّلَمِ فَإِذَا تَعَجَّلَ فِي السَّلَمِ وَتَأَجَّلَ فِي الْإِقَالَةِ فَقَدْ ازْدَادَ فِي الْإِقَالَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَيُغَيِّرُ مَوْضُوعَهَا وَيَنْقُلُهَا إلَى الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مَمْنُوعٌ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْفَسَادِ وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ طَعَامٌ مُؤَجَّلٌ فَفَسَخَهُ فِي غَيْرِ مُؤَجَّلٍ إلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَقَعَتْ الزِّيَادَةُ بِنَسِيئَةٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَيْءٍ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِقَالَةٍ بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ النَّسِيئَةَ مِمَّا يَزْدَادُهُ مِنْ أَخَذُوا نَسْأَلُهُ فِي دَفْعِ مَا عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ تُغَيِّرُ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَيُقِيلُهُ عَلَى تِسْعَةٍ فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ ازْدَادَ فِي الْإِقَالَةِ دِرْهَمًا أَوْ يُقِيلُهُ بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا يَزْدَادُ الْمُبْتَاعُ مِنْ الْبَائِعِ دِرْهَمًا وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَقَالَ لَهُ ابْتَعْ بِهَذَا طَعَامَك لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ عَنْ حُكْمِ الْإِقَالَةِ وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَقَالَ لَهُ ابْتَعْ بِهَذَا طَعَامَك فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْإِقَالَةِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الذَّرِيعَةِ وَتَبْعُدُ فِيهِ التُّهْمَةُ وَبُعْدُ التُّهْمَةِ يَمْنَعُ تَأْثِيرَ الذَّرِيعَةِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَسْلَمَ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ الْأَجَلِ نَوْعًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ أَدْنَى فِي مِثْلِ كَيْلِهِ فَيَأْخُذُ مِنْ الْحِنْطَةِ الشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَنْوَاعَ الذَّهَبِ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَدَلِ وَلَيْسَ مِنْ الْبَيْعِ وَلِذَلِكَ جَازَ بَدَلُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَقُصِرَ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُبَايَعَةِ لَمَا قَصُرَ عَلَى الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ مُعَاوَضَةٍ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُبَايَعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مُبَادَلَةً وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَجُوزُ أَخْذُهُ بَدَلًا مِنْهُ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ يَأْخُذُ مِنْهُ أَفْضَلَ مِمَّا لَهُ أَوْ أَدْنَى، وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُ تَمْرًا مِنْ قَمْحٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>