للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْأَجْنَاسِ بِنَفْسِهِ كَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ، وَتَارَةً يَكُونُ جِنْسًا بِالصِّنَاعَةِ كَالْخُبْزِ وَالْخَلِّ الَّذِي لَا يُفَارِقُ أَصْلَهُ، وَيَتَغَيَّرُ عَنْ جِنْسِهِ بِالصِّنَاعَةِ وَالْعَمَلِ فَأَمَّا مَا يَكُونُ جِنْسًا بِنَفْسِهِ كَالتَّمْرِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ فَإِنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالتِّينُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا يَيْبَسُ، وَمِنْهُ مَا لَا يَيْبَسُ فَإِنَّ حُكْمَ جَمِيعِهِ حُكْمُ غَالِبِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعِنْدِي أَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ أَبْيَضِهِ وَأَسْوَدِهِ، وَالْعِنَبُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا يُزَبَّبُ، وَمَا لَا يُزَبَّبُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَلَا بَيْنَ سَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَزَيْتُونُ الشَّامِ، وَزَيْتُونُ مِصْرَ نَوْعٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَإِنْ كَانَ زَيْتُونُ مِصْرَ لَا زَيْتَ فِيهِ، وَزَيْتُونُ الشَّامِ فِيهِ الزَّيْتُ، وَلَبَنُ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ جِنْسٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَإِنْ كَانَ لَبَنُ الْإِبِلِ لَا زُبْدَ فِيهِ، وَلَبَنُ سَائِرِ الْأَنْعَامِ فِيهِ الزُّبْدُ، وَالْأَنِيسُونُ وَالشَّمَارُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ الْكَمُّونَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حَكَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي إذَا قُلْنَا إنَّهَا مِنْ الطَّعَامِ أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِهَا، وَتَبَايُنِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَإِنَّهَا لَا تَتَمَازَجُ فِي مَنْبَتٍ وَلَا مَحْصَدٍ، وَلَا يُجْزِئُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي شَيْءٍ، وَلَا تَتَقَارَبُ فِي صُورَةٍ، وَإِنَّمَا يَجْمَعُهَا اسْمُ الْكَمُّونِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الْكَمُّونِ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشُّونِيزِ أَظْهَرُ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا الْفُلْفُلُ وَالْكَرَاوْيَا، وَحَبُّ الْكُزْبَرَةِ، وَالْقِرْفَةِ، وَالسُّنْبُلُ، وَالْقُرْطُمُ، وَالْخَرْدَلُ فَأَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبُغَ، وَحَكَاهُ فِي التَّوَابِلِ عَنْ مَالِكٍ، وَالثُّومُ، وَالْبَصَلُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا تَغَيُّرُ الْجِنْسِ بِالصِّنَاعَةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدِهِمَا صِنَاعَةٌ تُخْرِجُ الْمَصْنُوعَ عَنْ جِنْسِ أَصْلِهِ، وَالثَّانِي صِنَاعَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ مِنْ أَصْلِهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٍ يَكُونُ بِالنَّارِ، وَقِسْمٍ بِغَيْرِ نَارٍ فَأَمَّا مَا يَكُونُ بِالنَّارِ فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَنْفَرِدَ الصِّنَاعَةُ بِتَأْثِيرِ النَّارِ دُونَ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يَنْقُصُ عِبْرَةَ الْمَصْنُوعِ فِيمَا جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَقَلْيِ الْحِنْطَةِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ، وَسَائِرِ مَا يُقْلَى مِنْ الْحُبُوبِ فَإِنَّهَا لَا يَنْقُصُ كَيْلُ الْمَغْلِيِّ، وَهُوَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ فَهَذَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّارِ كَالْأَمْرِ الثَّابِتِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ بِخِلَافِ شَيِّ اللَّحْمِ وَطَبْخِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِ الْمَشْوِيِّ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ، وَإِذْهَابِ أَجْزَاءِ رُطُوبَتِهِ كَتَزْبِيبِ الْعِنَبِ، وَتَيْبِيسِ التَّمْرِ وَالتِّينِ فَلَا تُغَيِّرُ الْجِنْسَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصِّنَاعَةُ بِالنَّارِ يَقْتَرِنُ بِهَا مَا تَتِمُّ الصِّنَاعَةُ بِهِ مِنْ مِلْحٍ وَإِبْزَارٍ وَزَيْتٍ وَخَلٍّ وَمَرَقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا انْضَافَ إلَيْهِ مِنْهُ مَا تَكُونُ النِّهَايَةُ الْمُعْتَادَةُ مِنْ عَمَلِهِ، وَسُمِّيَ صِنَاعَةً كَالْأَبْزَارِ وَالْمَرَقَةِ فِي طَبْخِ اللَّحْمِ وَالْمَاءِ وَالْمِلْحِ فِي الْخُبْزِ فَهَذَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ تَغْيِيرُهُ بِالنَّارِ، وَبِمَا يُضَافُ إلَيْهِ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ نِهَايَةِ عَمَلِهِ فَأَمَّا الْخُبْزُ فَلِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَاءَ وَالْمِلْحَ هُوَ النِّهَايَةُ مِنْ عَمَلِهِ فِي الْأَغْلَبِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ نَقْصًا مِنْ وَزْنِهِ دَقِيقًا، وَأَمَّا طَبْخُ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ نَقْصًا، وَلَيْسَ بِالْغَايَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ صِنَاعَةٍ فَلَمْ تَكُنْ صِنَاعَةٌ فِيهِ، وَلَا جِنْسًا مَخْصُوصًا مِنْهُ.

(فَرْعٌ) وَاخْتِلَافُ مَا يُطْبَخُ بِهِ لَيْسَ بِاخْتِلَافِ جِنْسٍ فِيهِ كَالْقَلِيَّةِ بِالْخَلِّ وَالْقَلِيَّةِ بِالْمَرَقِ وَالْقَلِيَّةِ بِالْعَسَلِ وَالْقَلِيَّةِ بِاللَّبَنِ كُلُّ ذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ لِاخْتِلَافِ مَا قُلِيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ اللَّحْمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي يَكُونُ تَغَيُّرُهُ بِغَيْرِ نَارٍ مِمَّا يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الْمُدَّةِ، وَيَنْتَقِلُ إلَى قَلْيِ الطَّعَامِ الثَّابِتِ لَهُ بِنِهَايَةِ النُّضْجِ كَتَخَلُّلِ الْعَصِيرِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ طُولِ الْمُدَّةِ فَلَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا نُرَاعِي فِي الْجِنْسِ الْمَنَافِعَ، وَالْمَقَاصِدَ فَإِذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعِنَبِ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>