للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

عَصِيرًا مِنْ وَقْتِهِ أَوْ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعِنَبِ الْعَصِيرُ فَيَدْخُلُهُ الْمُزَابَنَةُ وَالتَّفَاضُلُ فِيمَا لَا يَحِلُّ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَإِذَا بِيعَ الْعِنَبُ بِالْخَلِّ، وَالْخَلُّ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْعِنَبِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ الْعِنَبِ كَمَا لَا يُقْصَدُ الْخَلُّ بِشِرَاءِ التَّمْرِ، وَلَا يُقْصَدُ التَّمْرُ بِشِرَاءِ الْخَلِّ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا لِبُعْدِ تَغَيُّرِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الطَّعَامِ الثَّابِتِ بِنِهَايَةِ النُّضْجِ فَلِأَنَّهُ غَايَةُ الثَّمَرَةِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْهَا فَلَا يُخْرِجُهَا وُجُودُهُ عَنْ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ جِنْسِهَا، وَالْمُحَقِّقِ لَهَا فِيهِ، وَأَمَّا مَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ضِدٌّ لَهُ كَالْحُمُوضَةِ وَالتَّخَلُّلِ فِي الْعَصِيرِ فَإِنَّهُ مُغَيِّرٌ لِلْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ بِسَبِيلٍ بَلْ يَمْنَعُهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ طَعْمٍ لِلْأَصْلِ، وَيَحْدُثُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُهَا، وَإِنَّمَا نَصَّ مَالِكٌ عَلَى خَلِّ التَّمْرِ ثُمَّ قَاسَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ خَلَّ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ فَجَوَّزَهُ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي إنْ كَانَ يَطُولُ كَالتَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ بِالطُّولِ دُونَ الطَّعْمِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَدِينَةِ لَا يَحِلُّ خَلُّ التَّمْرِ، وَلَا خَلُّ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ، وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ التَّمْرِ بِالْعِنَبِ، وَخَلِّ الْعِنَب بِالتَّمْرِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِ الطَّعْمِ صِنَاعَةً تُغَيِّرُ الْجِنْسَ، وَرَوَى أَبُو زَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ لِلْمُزَابَنَةِ، وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ بِالْقَمْحِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا عَلَّلْنَا بِالطُّولِ فَلَا يَصِحُّ خَلُّ التَّمْرِ بِنَبِيذِهِ مُتَفَاضِلًا رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَّلَ بِتَقَارُبِ الْمَنَافِعِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِتَقَارُبِ انْتِقَالِهَا، وَإِلَّا فَمَنَافِعُهَا، وَأَغْرَاضُهَا مُتَبَايِنَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِنَبِيذِ الزَّبِيبِ، وَأَمَّا إذَا عَلَّلْنَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّعْمِ، وَاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَلِّ بِالنَّبِيذِ مُتَفَاضِلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِالْفُقَّاعِ بِالْقَمْحِ، وَهَذَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ التَّسَاوِي، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ طَعْمِ الْأَصْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِتَغَيُّرِ الْجِنْسِ، وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ تَغَيُّرِ الطَّعْمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فِي الصِّنَاعَةِ الَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْءِ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْنَاسِهِ فِي الْأَصْلِ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الصِّنَاعَةُ تُغَيِّرُ الْأَجْنَاسَ، وَتُصَيِّرُهَا جِنْسًا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِ أُصُولِهَا وَاتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا تُخْرِجُهُ إلَيْهِ الصِّنَاعَةُ مِنْهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْعِنَبِ وَخَلِّ الْعَسَلِ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا، وَخَلُّهَا كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة وَكَذَلِكَ كُلُّ خَلٍّ اخْتَلَفَتْ أَصْنَافُهُ أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هَذِهِ الْآخِرَةُ خَطَأٌ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا، وَفِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ إنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَإِنَّ لُحُومَهَا وَأَلْبَانَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا نَبِيذُ التَّمْرِ وَنَبِيذُ الْعِنَبِ فَفِي كِتَابِ أَبِي الْفَرَجِ مِنْهَا صِنْفَانِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّمْرُ وَالْعِنَبُ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالِانْتِبَاذُ لَيْسَ بِصِنَاعَةٍ تُغَيِّرُ الْجِنْسَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَبِيذُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ نَبِيذِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ نَبِيذُ الْعِنَبِ مِنْ جِنْسِ نَبِيذِ التَّمْرِ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ مِنْ جِنْسِ نَبِيذِ الْعِنَبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْعِنَبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ التَّمْرِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَسَاوِي النَّبِيذَيْنِ فِي الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الِانْتِبَاذُ صَنْعَةً.

وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِتَجْوِيزِ الْفُقَّاعِ بِالْقَمْحِ، وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ الِانْتِبَاذِ صَنْعَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْخُبْزُ فَإِنَّهُ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي خُبْزِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالْأَرُزِّ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ إنَّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَأَمَّا خُبْزُ الْقُطْنِيَّةِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَحَكَى عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخُبْزَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْمُعْتَادُ فِيهَا التَّأَدُّمُ بِهَا، وَلِذَلِكَ قَارَبَتْ مَا يُخْتَبَزُ غَالِبًا مِنْ الذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأَرُزِّ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ حُبُوبٌ تُتَّخَذُ خُبْزًا فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>