للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا خَيْرَ فِي الْخُبْزِ قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ، وَلَا عَظِيمٍ بِصَغِيرٍ إذَا كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ يَتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ) .

ــ

[المنتقى]

وَبَيْنَ أَعْدَالِ الْقَمْحِ بِأَنْ قَالَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي سُلُلِ التِّينِ، وَلَا يَجُوزُ فِي سُلُلِ الْقَمْحِ فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْجُزَافِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلَّا مَرْئِيًّا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ فَلِذَلِكَ جَازَ فِي الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْكَيْلِ قَدْرٌ مَعْرُوفٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْقَمْحِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْكَيْلِ قَدْرًا مَعْرُوفًا فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ.

وَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْعِدْلِ الْمَمْلُوءِ مِنْ الْقَمْحِ، وَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ صُبْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِلْءَ هَذَا الْعَدْلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَا خِلَافَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَهُ قَدْرٌ بِحَيْثُ لِلنَّاسِ كَيْلٌ مَعْلُومٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي التِّبْنِ وَالْعَلَفِ بِحَيْثُ لَا كَيْلَ لِلنَّاسِ، وَوَجْهُ مَنْعِهِ الْقَصْدُ إلَى الْغَرَرِ لِلْعُدُولِ عَنْ الْمَقَادِيرِ الْمَعْرُوفَةِ، وَابْتِيَاعِ صُبْرَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ فَهَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ لَا يُفْسَخُ، وَقَالَ غَيْرُهُ يُفْسَخُ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا غَيْرَ مَجْهُولِ الْقَدْرِ فَلَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ أَصْلُ ذَلِكَ الصُّبْرَةُ، وَوَجْهُ إيجَابِ الْفَسْخِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْحَزْرُ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ فَمَنْعُ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَصْلُ ذَلِكَ الْجُزَافِ فِي الثِّيَابِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مِقْدَارٌ مَعْرُوفٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ، وَلَا الْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ الْكَيْلِ الْمَعْرُوفِ فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ بِغَيْرِ الْكَيْلِ أَوْلَى فَأَمَّا بَيْعُ الْمَكِيلِ عَدَدًا بِمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ كَالرُّطَبِ فَإِنَّ مَالِكًا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا أَجَازَهُ بِصُبْرَةٍ بِجَمِيعِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْمَبِيعَ بِمَا لَا يَتَقَدَّرُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا لَوْ بِيعَ الْمَكِيلُ بِالْوَزْنِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ الْكَيْلُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا.

(فَصْلٌ) :

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جُزَافًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ يُرِيدُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمَعْدُودَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكِيلِ فَإِنْ عَلِمَ عَدَدَهُ الْبَائِعُ فَبَاعَهُ جُزَافًا، وَلَا يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي بِعِلْمِهِ لِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَالْعَيْبِ الَّذِي لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِهِ أَوْ الرِّضَا بِهِ، وَلَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ الْبَيْعُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ إنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ الْمُبْتَاعِ لِعِلْمِ الْبَائِعِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ فَيُقَدَّمُ فِي ابْتِيَاعِهِ عَلَى هَذَا الْغَرَرِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي مَسْأَلَتِنَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ يُرِيدُ عَنْ كِتْمَانِ عِلْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ بِمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ جُزَافًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمِقْدَارِهِ مِنْ الْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِ فِي الْمَعْدُودِ فَيَبِيعَهُ عَلَى ذَلِكَ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ عَدَدًا، وَلَا عَظِيمٍ بِصَغِيرٍ عَلَى الْجُزَافِ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ مَعْدُومٌ فِيهِمَا، وَأَمَّا التَّحَرِّي فِيهِمَا فَيَصِحُّ إذَا تَحَرَّى تَسَاوِيهِمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ يَتَحَرَّى مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّقِيقِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي تَحَرِّي الْخُبْزِ دُونَ الدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنَا، وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يُوزَنَ، وَيَكُونُ الْمَوْزُونُ أَبَيْنَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا رَأَى غَبْنًا فِي تَحَرِّي الدَّقِيقِ لَمْ يَصِحَّ وَزْنُ مَا فِي الْقُرْصَيْنِ مِنْ الدَّقِيقِ بَلْ ذَلِكَ أَقْعَدُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ تَحَرِّيَ مَا فِيهِمَا مِنْ الدَّقِيقِ يَشُقُّ، وَيَكَادُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَلَوْ كَثُرَ الْقَوْلُ بِهَذَا فِي الْمَذْهَبِ لَكَانَ عِنْدِي أَصَحَّ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>