للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ مُدُّ زُبْدٍ وَمُدُّ لَبَنٍ بِمُدَّيْ زُبْدٍ، وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي يُبَاعُ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ حِين قَالَ لِصَاحِبِهِ إنَّ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بَيْعَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ صَاحِبَ اللَّبَنِ اللَّبَنَ مَعَ زُبْدِهِ لِيَأْخُذَ فَضْلَ زُبْدِهِ عَلَى زُبْدِ صَاحِبِهِ حِينَ أَدْخَلَ مَعَهُ اللَّبَنَ قَالَ مَالِكٌ وَالدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ الدَّقِيقَ فَبَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ جَعَلَ نِصْفَ الْمُدِّ مِنْ دَقِيقٍ وَنِصْفِهِ مِنْ حِنْطَةٍ فَبَاعَ ذَلِكَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي وَصِفْنَا لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ حِنْطَتِهِ الْجَيِّدَةِ حِينَ جَعَلَ مَعَهَا الدَّقِيقَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ) .

ــ

[المنتقى]

مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ تَحَرِّيًا فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْقَدِيدِ، وَالْمَشْوِيِّ فَجَوَّزَهُ أَوَّلًا عَلَى التَّحَرِّي ثُمَّ مَنَعَ مِنْهُ بِكُلِّ وَجْهٍ فَأَمَّا مَنْعُ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ عَلَى التَّسَاوِي بِالْوَزْنِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ الرُّطُوبَةِ قَدْ عَدِمَتْ فِي الْآخَرِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسَاوِي فِيهِمَا كَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَأَمَّا بِالتَّحَرِّي فَإِنَّ التَّحَرِّيَ يَتَعَذَّرُ فِي ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ، وَلَا يَكَادُ يُوَصِّلُ إلَى حَقِيقَتِهِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ عَلَى التَّحَرِّي.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ اللَّبَنَ وَالزُّبْدَ مِمَّا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَاتٌ، وَلِأَنَّ السَّمْنَ يُدَّخَرُ، وَهُوَ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لِذَلِكَ بَيْعُ مُدَّيْ زُبْدٍ بِمُدِّ زُبْدٍ، وَمُدِّ لَبَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَسَاوِي مُدَّيْ الزُّبْدِ مَعَ مَا فِي اللَّبَنِ مِنْ الزُّبْدِ وَالزُّبْدِ الَّذِي مَعَهُ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فَكَيْفَ وَقَدْ تَبَيَّنَ فَضْلُ مُدَّيْ الزُّبْدِ عَلَى مَا فِي اللَّبَنِ مِنْ الزُّبْدِ، وَمَا مَعَهُ مِنْ الزُّبْدِ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِاللَّبَنِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ مِمَّا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ كَالسَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ أَوْ يَكُونُ مِنْهُ مَا يُدَّخَرُ كَاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ فَأَمَّا مَا يُقْتَاتُ مِنْهُ، وَلَا يُدَّخَرُ مِنْهُ كَالْبَيْضِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَالثَّانِيَةُ لَا يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَالرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِيمَا يُقْتَاتُ، وَلَا يُدَّخَرُ تَعَدَّى إلَى الْبَيْضِ، وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجْرِي الرِّبَا فِي الْمُقْتَاتِ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ جَازَ فِيهَا التَّفَاضُلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا ثَلَاثَةُ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ، وَصَاعِ حَشَفٍ فَلَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْآخِذَ لِلْكَبِيسِ قَصَدَ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ عَجْوَةً بِصَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ فَأَعْطَى مِنْهَا صَاعَ حَشَفٍ لِيُجِيزَ الْبَيْعَ بِذَلِكَ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا إذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ صِفَاتُهُ فَإِنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ آخَرُ يَخْتَلِفُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُ كَالتَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ بِالْعَجْوَةِ وَالْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ بِالْكَيْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ فِي بَعْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ دُونَ بَعْضٍ فَيُتَجَوَّزُ فِي بَعْضِهِ لِبَعْضٍ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ تَقْسِيطِ الْعِوَضِ الْآخَرِ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَذَلِكَ عِلَّةُ الْفَسَادِ فِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ جَمِيعُهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَقُسِّطَتْ عَلَيْهِ الْعِوَضُ الْآخَرُ لَتَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي التَّقْسِيطِ عَلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ أَفْضَلَ مِنْ الْمُنْفَرِدِ، وَبَعْضُهُ أَدْوَنَ مِنْهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعَ اخْتِلَافِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْمُنْفَرِدِ أَوْ أَدَوْنَ مِنْهُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَقْسِيطَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ فِي أَجْزَائِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَدَلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ مِثْلُ مُدِّ حِنْطَةٍ، وَمُدِّ شَعِيرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ يَكُونُ الْمُدُّ الَّذِي مَعَ الشَّعِيرِ أَدَوْنَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ كَوْنَ أَحَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>