للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ انْتَظَرَ هَلْ يَأْتِيهِ أَحَدٌ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ جَاءَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ قَالَ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَلْيُصَلِّ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ) .

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ تَنَفَّلَ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ) .

ــ

[المنتقى]

ذَلِكَ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ دُعَاءَهُ إيَّاهُ لِلصَّلَاةِ وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ لِلْمَسْجِدِ لَهُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا جَمَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَتَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ يَجِبُ الِاجْتِمَاعُ إلَيْهِمْ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَقْدِيمِهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الِاخْتِلَافُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ جَازَ الْجَمْعُ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيَةً إلَى الِافْتِرَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَلَكَانَ أَهْلُ الْبِدَعِ يُفَارِقُونَ الْجَمَاعَةَ بِإِمَامِهِمْ وَيَتَأَخَّرُونَ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ ثُمَّ يُقَدِّمُونَ مِنْهُمْ وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ بِالْإِمَامِ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إظْهَارِ مُنَابَذَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُخَالَفَتِهِمْ وَمُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ سَدُّ هَذَا الْبَابِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ وُسِّعَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ لَأَدَّى إلَى أَنْ لَا تُرَاعَى أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ وَلَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ وَصَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ وَقَصْرُ النَّاسِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ دَاعٍ إلَى مُرَاعَاةِ صَلَاتِهِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ يُجْمَعُ فِيهِ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ وَلَا يُجْمَعُ سَائِرُهَا فَهَلْ يَجْمَعُ فِيهِ غَيْرُ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فِي تِلْكَ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا أَمْ لَا وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُجْمَعُ فِيهَا غَيْرُ صَلَوَاتِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.

وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ إنَّمَا يُرَاعَى الْخِلَافُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْمَعُهَا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَا خِلَافَ عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِيهَا.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا رَتَبَ لِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ إمَامَهُ فِي جَمِيعِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتَاتَ عَلَيْهِ فِي الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فِي مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ انْتَظَرَ أَنْ يَأْتِيَهُ أَحَدٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَسْأَلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إمَامَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرَ إمَامِهِ وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ كَانَ إمَامَ الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ وَانْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَتَتْ الْجَمَاعَةُ بَعْدَهُ فَإِنَّهَا لَا تَجْمَعُ فِيهِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ لَا بِالْمَأْمُومِينَ بِدَلِيلِ أَنَّ أَمْرَهَا مَصْرُوفٌ إلَيْهِ وَاتِّبَاعُهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَلَوْ تَعَمَّدَ إفْسَادَ صَلَاتِهِمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَوْ تَعَمَّدُوا إفْسَادَ صَلَاتِهِمْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُ فَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَقَدْ قُضِيَتْ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ فَلَا يُصَلِّيهَا فِيهِ غَيْرُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَا يَؤُمُّهُمْ فَهَلْ تَقُومُ صَلَاتُهُ مَقَامَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ.

وَقَالَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَذِّ.

وَجْهُ مَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إمَامٌ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا جَمَعَ فِي مَوْضِعِهِ فَقَدْ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَؤُمُّ فِيهِ فَلَا يُجْمَعُ فِيهِ ثَانِيَةً.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُؤْتَمُّ بِهِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ وَالدُّعَاءِ إلَى الصَّلَوَاتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ عِيسَى إنَّمَا هُوَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَكَانَ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُؤَذِّنِ.

(ش) : سُؤَالُهُ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ تَنَفَّلَ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْر ثُمَّ تَنَفَّلَ فَأَمَّا تَنَفُّلُهُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَإِنَّ تَنَفُّلَهُ وَتَنَفُّلَ غَيْرِهِ بَعْدَ الْأَذَانِ جَائِزٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُزَادَ وَبِإِثْرِ الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ مَأْمُورٌ بِتَقْدِيمِهَا بِإِثْرِ الْأَذَانِ لِلِاخْتِلَافِ بِاخْتِصَاصِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِمَا فِي تَعْجِيلِهَا مِنْ الرِّفْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>