للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ نَقَدَ الْعَشَرَةَ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى بِهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إلَى أَجَلٍ) .

ــ

[المنتقى]

عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ بِالنَّقْدِ قَدْ بَاعَ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِالْأَجَلِ الْبَعِيرَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَفِيهَا سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَاعُ لَهُ الْبَعِيرَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّفَهُ عَشَرَةً فِي عِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعَانٍ تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ، وَالْعِينَةُ فِيهَا أَظْهَرُ مِنْ سَائِرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ عِيسَى سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ تَفْسِيرِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَقَالَ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ وَأَصْلٍ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ مَكْرُوهُهُمَا أَنْ يَتَبَايَعَا بِأَمْرَيْنِ إنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ غَرَرًا قَالَ عِيسَى فَالْأَوَّلُ أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِدِينَارَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَهَذَا إنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ حَرَامًا، وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً بِثَوْبٍ أَوْ شَاةٍ فَهَذَا إنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ غَرَرًا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ وَقَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ الْبَعِيرَ فَيَبِيعَهُ مِنْهُ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ إلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الثَّمَنَ، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهُ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ السِّلَعُ فَيَكُونَ لِبَائِعِهِ قِيمَتُهَا نَقْدًا أَوْ بِمَا ابْتَاعَهَا هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ الِاثْنَا عَشَرَ، وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَانَ ضَامِنًا لِلسِّلْعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَوَرَّعَ عَنْ أَخْذِ مَا ازْدَادَ، وَقَالَ عِيسَى، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْسَخَ إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَتَكُونَ فِيهَا الْقِيمَةُ لِبَائِعِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنَانِ، وَاخْتَلَفَ الْبَيْعَتَانِ بِالنَّقْدِ وَالتَّأْجِيلِ فَقَدْ وَضَحَ أَنَّهُمَا بَيْعَتَانِ تَضَمَّنَتْهُمَا بَيْعَةٌ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَقَطْ فَبِأَنْ لَا يَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّمَنِ، وَاخْتِلَافُهُمَا بِالنَّقْدِ وَالْأَجَلِ أَوْلَى، وَفَسَّرَ ذَلِكَ مَالِكٌ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْهُمَا إنْ أَنْفَذَ الْبَيْعَ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَقَدْ أَخَذَ ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مُؤَجَّلَةً يَتْرُكُهَا، وَإِنْ أَنْفَذَ الْبَيْعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مُؤَجَّلَةً فَقَدْ أَخَذَهَا بِعَشْرَةٍ نَقْدًا تَرَكَهَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الذَّرِيعَةِ لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ قَدْ اخْتَارَ أَوَّلًا إنْفَاذَ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ، وَعَدَلَ إلَى الْآخَرِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَكَادُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ مَعَ التَّرْجِيحِ فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ، وَحَاجَتُهُمَا إلَيْهِمَا أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، وَقَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةَ الْفَسَادِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِخِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْبَائِعِ لِخِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ أَوْ رَدَّ السِّلْعَةَ فَهُوَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَالَ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ لَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ صِنْفُ الثَّوْبَيْنِ أَوْ اتَّفَقَا إذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنَانِ أَوْ اتَّفَقَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، وَهُمَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَا فِي ذَلِكَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ حَالُ الْمُسَاوَمَةِ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِمَ الْآخَرَ فِي عَدَدِ سِلَعٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَجْنَاسِ وَالْأَثْمَانِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَتَى الْبَائِعُ بِلَفْظِ الْإِيجَابِ لَمْ يَثْبُتْ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ إنْ شِئْت بِدِينَارٍ أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ بِدِينَارٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَلْزَمَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ فَهُوَ إيجَابٌ فَاسِدٌ قَالَهُ مَالِكٌ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ رِوَايَةُ أَشْهَبَ الْأُولَى عَنْ مَالِكٍ أَصَحُّ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي قَدْ أَخَذْتُ لَكَانَ قَبُولًا فَاسِدًا لِاسْتِنَادِهِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>