للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ بِيعَتْ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارِضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ أَوْ النُّقْصَانِ بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ) .

ــ

[المنتقى]

عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يَتَسَلَّفَهَا، الْوَدِيعَةُ وَالْقِرَاضُ إنَّمَا دُفِعَا إلَيْهِ لِلتَّنْمِيَةِ فَإِذَا تَسَلَّفَهَا فَقَدْ قَصَدَ إلَى إبْطَالِ غَرَضِ صَاحِبِ الْمَالِ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَاعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ ابْتَاعَ الْوَدِيعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ رَبُّهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ وَطِئَ الْعَامِلُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَمْ تَحْمِلْ أَوْ تَسَلَّفَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَلَمْ تَحْمِلْ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الَّذِي تَسَلَّفَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْوَطْءِ أَوْ يُلْزِمُهُ إيَّاهَا بِالثَّمَنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ لَكَانَ لَهُ رَدُّهَا إلَى مَالِ الْقِرَاضِ فَلَمَّا فَاتَتْ بِالْوَطْءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْفَوْتِ أَوْ يُسَوِّغَ الِاسْتِسْلَافَ فَيُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُبَاعُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ فَاتَ اسْتِرْجَاعُهَا إلَى مَالِ الْقِرَاضِ بِالْوَطْءِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَسْقَطَتْ الْحَدَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ، وَلَمْ يَفُتْ بَيْعُهَا عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَيْهِ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ عَاجِلًا يَبِيعُهَا بِهِ أَوْ مُؤَجَّلًا يَتْبَعُهُ بِهِ، وَهَذَا حُكْمُ الْبِضَاعَةِ إذَا ابْتَاعَ بِهَا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَفُوتُ بِالْوَطْءِ رَدُّهَا إلَى الْبِضَاعَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(ش) : قَوْلُهُ إذَا تَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَالشِّرَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا مَا هُوَ نَقْدٌ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِنَقْدٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَغَيْرِ صَاحِبِ مَالِ الْقِرَاضِ فَيُرِيدُ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَهَذَا لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا اشْتِرَاطَ حِينَ عَقْدِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ حِينَ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَتُهُ إذَا شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ قَالَهُ مَالِكٌ.

وَقَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ يَقْصِدَا فِيهِ اسْتِقْرَارَ الرِّبْحِ لِقِلَّةِ مَالِ الْقِرَاضِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ الْآخَرِ وَجْهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ اسْتِقْرَارَ الرِّبْحِ بِمَالِ الْعَامِلِ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ أَشَدُّ تَأَتِّيًا، وَالْأَرْبَاحَ أَغْزَرُ وَأَمْكَنُ وَإِذَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يَمْنَعُ الْعَقْدُ وُجُودَهُ فِيهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ رَبِّ الْمَالِ لَهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا رِبْحَ مَالِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ اشْتِرَاطَ رَبِّ الْمَالِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا رِبْحَ مَالِهِ النَّقْدِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ لَهُ فِعْلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ اشْتِرَاطُهُ غَيْرَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَشَرْطُ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ فَهَلْ يُفْسَخُ أَمْ؟ لَا قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ أَخَذَ قِرَاضًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ أَوْ عَلَى إنْ شَاءَ خَلْطَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ الْأَوَّلُ أَشَدُّ، فَإِنْ فَعَلَا لَمْ يُفْسَخْ بِهِ الْقِرَاضُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُسَلِّفَهُ صَاحِبُ الْمَالِ مَا يَزِيدُهُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ) فَهَذَا هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ،.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ رَبَّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بِيعَتْ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ وَيَقْتَضِي مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَارِضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ بِحَسَبِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ مَا أَسْلَفَهُ الْعَامِلَ رَبُّ الْمَالِ صَبَغَ بِهِ الثِّيَابَ أَوْ قَصَّرَهَا فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>