للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ الْمَطْلُوبَ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ)

ــ

[المنتقى]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ شَاهَدَهُ، وَإِنَّمَا شَهِدَ لَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ مَنْ يُخَالِفُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَجْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلْيَمِينِ، وَحَدِيثُنَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ كَانَ جَعَلَ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ مَعَ شَهَادَةِ الْمُدَّعِي فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا تَأْثِيرَ لِشَهَادَتِهِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ يُفِيدُ كَوْنَهُمَا مِمَّا قَضَى بِهِ وَأَنْ يَكُونَ قَضَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَا قُلْتُمُوهُ لَقَالَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدِ أَوْ قَضَى بِالْيَمِينِ وَرَدَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا مِنْ جَنْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَهُ الْيَمِينُ فِي غَيْرِ جَنْبَةِ الشَّاهِدِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا إنَّهَا مَعَهُ بَلْ هِيَ نَاقِضَةٌ لَهُ وَمُبْطِلَةٌ لِشَهَادَتِهِ فَإِنْ قِيلَ نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ هَذَا فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ حَيَوَانًا فَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا يُنْكِرُهُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا وَحْدَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْبَيْعَ بِالْبَرَاءَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا اشْتَرَى عَلَى الْبَرَاءَةِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِالرَّدِّ بِشَاهِدِهِ مَعَ يَمِينِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالتَّمْيِيزِ مَعَ الشَّاهِدِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَاهِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْبِرٌ عَنْ عِلْمِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَسْتَوِي النَّاسُ فِي عِلْمِهَا لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا شَاهِدَانِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَعَمْتُمُوهُ قَضِيَّتَانِ ثَبَتَ بِالشَّاهِدِ عِنْدَكُمْ وُجُودُ الْعَيْبِ وَثَبَتَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي بَرَاءَتُهُ مِمَّا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ الْتِزَامِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ، وَهَاتَانِ قَضِيَّتَانِ قَضَى فِي إحْدَاهُمَا بِالشَّاهِدِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْيَمِينُ بِهَا وَقَضَى فِي الثَّانِيَةِ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَشْهَدْ الشَّاهِدُ بِهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْيَمِينُ فِي جَنْبَتِهِ ابْتِدَاءً كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

(فَصْلٌ) :

وَمَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ فِي تَصْحِيحِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْأَمْرُ بِهِ إظْهَارٌ لِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَأَئِمَّتِهِمْ وَأَعْلَامِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ الْمَطْلُوبَ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ) .

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَقْتَطِعُ الْحُقُوقَ بِيَمِينِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُعَيَّنٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: غَيْرُ مُوَلًّى عَلَيْهِ وَمُوَلًّى فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَسَاوَوْا فِي الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ وَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَانْفَرَدَ بِالْحَقِّ قَبْلَ شَاهِدِهِ وَاسْتُحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ وَارِثُ الْمَيِّتِ صَغِيرًا وُقِفَ لَهُ حَقُّهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ فَيَحْلِفَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْيَمِينَ وَبِهَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ ثَبَتَ الْيَمِينُ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُرْجَى أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْيَمِينِ فَانْتَظَرَ ذَاكَ أَصْلُهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ فَإِذَا حَلَفَ أَبْقَى الْحَقَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ أَوْ مُعَيَّنًا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>